تمر على البشرية هذه السنوات -برغم كثرة التعقيدات والأزمات- طفرة تكنولوجية غير مسبوقة، طفرة تشمل الحياة بمختلف جوانبها، وتضفي على الواقع شروطا جديدة للتأقلم مع تداعياتها ومتطلباتها التي تزاوج في مجملها بين الراحة وسهولة الوصول وبساطة الاستخدام، واعتماد الفضاء الإلكتروني بشكل تفاعلي حيث يتقاطع كليا مع البيئة العالمية الجديدة في ظل كورونا وما سيتلوها من تغيير عالمي يشمل كل ما كان مألوفا.
وفي ظل هذه الطفرة التكنولوجية الكاسحة والشاملة، وتنوع مجالات توظيف التكنولوجيا في خدمة الإنسان المعاصر في متطلبات حياته التقليدية ومجالات تفكيره المستقبلي، بات مجال العمل التجاري والاستثماري والتوزيع والتسويق وتأسيس الشركات العصرية ونحوها من مرتكزات الاقتصاد المعاصر ساحة للبحث وتطوير المعلومة، وتعزيز مجالات الاستفادة منها بشكل ينعكس بالضرورة على شكل الاقتصاد المعاصر ومستويات ازدهاره وتقدمه وتوسعه أفقيا ورأسيا.
إن مما لا شك فيه أن هذه التكنولوجيا العصرية في مجال الثورة المعلوماتية، وسرعة الاتصال والتواصل، وتطبيقات التفاعل مع الجمهور، وتعدد وسائل المواصلات والاتصالات، كلها باتت تدعم التوجهات الجديدة في صناعة الهوية الاقتصادية للمؤسسات الاقتصادية التي يمكن لها أن تساير التقدم التكنولوجي وظروف الحياة المستجدة في الآن ذاته، فلا نجاح في ظل التفكير التقليدي، ولا مستقبل لمن ظل يفكر بعقلية الأمس.
اليوم لا يشبه الأمس بكل تأكيد، لا على مستوى الشكل ولا على مستوى المضمون، وفي كل ساعة من النهار تغمرنا التطبيقات الجديدة في ثورة الاتصالات والمعرفة، ويفرز لنا العقل البشري جديدا في تقنيات التفاعل كل يوم، وهو ما يعني بالضرورة أن تتأثر الخطط التسويقية للمنشآت الاقتصادية وتتنوع مجالات اهتمامها لتغطي هذه المعارف الجديدة والتكنولوجيا الجديدة ومنهجيات التفكير الجديدة، وهذه المحطات الرئيسة في مأسسة الهوية البصرية والسمعية للشركات والمؤسسات، ومدى انتشارها في المجتمعات التي هي محط اهتمامها، وهذه التقنيات والمستجدات باتت الشغل الشاغل لمختصي العلاقات العامة وخبراء التواصل والاتصال لضمان تأثيرها وفاعليتها من جهة، ولضمان وصول السلعة والمنتج للمستهلك من خلالها بشكل مؤثر وحقيقي، من الجهة الأخرى.
بكل تأكيد هذا تحدٍ لا يستهان به، فهو يتطلب التغيير الشامل في أساليب التفكير والتخطيط، ووضع الملامح الأساسية للخطط الإستراتيجية للشركات بما يتوافق مع الوجه الجديد للكون بعد كورونا وثورة التكنولوجيا في ملامحها الأخيرة، وهو ما يعني العمل بحذر شديد في بيئة متقلبة متعددة المنصات والتوجهات ومستويات الانتشار والتأثير، وفي الوقت ذاته، أن يكون التجدد هو السمة الأساسية التي يقوم عليها العمل الترويجي والتسويقي، مع التأكيد على أهمية القراءة الواعية والمستمرة للتغذية الراجعة من كل منصة ومؤسسة وتطبيق يتم التعامل معه في هذه الخطط المستجدة.
الفلسفة المعاصرة للعمل الإعلامي والإعلاني والتسويقي اليوم تعتمد على رجاحة العقل وسعة الأفق دون أدنى ريب، فهي تحتاج لعقليات متفتحة في فهم وسائل الإعلام والإعلان، ومدى الانتشار الخاص بكل منها، ومتى تستخدم؟ ومن قبل من؟ وبأي محتوى؟ لتكون صالحة للتأثير في الشرائح المستهدفة من طرف المؤسسات العاملة في حقل التأثير من خلال التسويق العصري لمنتجها وسلعتها، وهذا معناه بالضرورة أن يتمكن خبراء التسويق ورواد العلاقات العامة من إقناع أصحاب هذه الشركات وأصحاب المنشآت الصناعية والقائمين على القطاع الخاص بأهمية التجدد والاستثمار في الحملات المعاصرة بشكلها ومحتواها وإطارها الفني مهما كان حجم القدرة المادية المطلوبة لضمان النجاح في الوصول للأهداف.
الطريق أمام رواد العلاقات العامة وخبراء الإعلام المعاصر ليست مفروشة بالورود بكل تأكيد، فكل تطبيق جديد، وكل منتج تكنولوجي معاصر، يمثل تحديا حقيقيا أمامهم لبيان قدرتهم على التعاطي الإيجابي معه، وقياس فاعليته وقدرته التأثيرية والسعر الخاص باستخدامه، وآليات التعامل المالي معه، وبالتأكيد مستوى انعكاس الأثر على المنشآت الصناعية وقطاع الأعمال بشكل عام، وهذا معناه بذل الجهد المضاعف من قبل المختصين والخبراء في هضم التكنولوجيا المعاصرة وآلياتها، والإسراع في الاستثمار الناجح منها في بيئة التسويق والإعلان الاحترافي لصناعة النجاح لهم وللجهات المؤسسية التي يعملون على انتشارها وإشهارها من خلال التسويق العصري الاحترافي الذي يمثلون صورته وواجهته.