28-تشرين الثاني-2024
ما هو تأثير الأتمتة والذكاء الاصطناعي على سوق العمل؟
تُعتبر الأتمتة والذكاء الاصطناعي من أبرز الاتجاهات التكنولوجية التي تعيد تشكيل مشهد سوق العمل اليوم. ومع التقدم السريع لهذه التقنيات، تبرز تساؤلات حول تأثيرها على طبيعة الوظائف والمهن . في الوقت الذي تسهم فيه هذه الابتكارات بتعزيز الإنتاجية والكفاءة، فإنها تثير أيضًا قلقًا بشأن فقدان بعض الوظائف التقليدية التي كانت تعتمد على الجهد البشري. ويتطلب التكيف مع هذه التحولات استراتيجيات شاملة تشمل التعليم والتدريب المستمر، بالإضافة إلى الدعم الحكومي والتعاون بين القطاعات ، حيث يهدف هذا التقرير إلى استكشاف آثار الأتمتة والذكاء الاصطناعي على سوق العمل وكيفية مواجهة التحديات المرتبطة بها.
تصريحات الخبراء
الدكتور أمجد الذهلي الرئيس التنفيذي لشركة المستقبل للتقنية والتطوير، قال: " ظهور التقنيات الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، قد أدى إلى تحول ملحوظ في طبيعة العديد من الوظائف. ورغم أن هذا التحول يُعتبر إيجابيًا بشكل عام في قطاع الأعمال، إلا أن هناك بعض الوظائف التي قد تتحول بالكامل إلى مهام افتراضية آلية. ومن بين هذه الوظائف: (خدمة العملاء، والرد الآلي، والترجمة الفورية، وسائق التاكسي، وبعض الوظائف القانونية، والعديد من الوظائف الإدارية مثل إدخال البيانات والوظائف المكتبية الروتينية.) حيث ان هذه التحولات تتيح للعاملين الانتقال إلى وظائف جديدة أكثر تخصصًا."
وأشار الذهلي إلى انه في ظل التقدم السريع للتكنولوجيا، أصبح من الضروري أن يواكب الموظفون كل ما هو جديد في مجالاتهم. كما يمكن تعزيز المهارات من خلال اكتساب مهارات جديدة عبر القنوات المتاحة، سواء كانت مجانية أو برسوم رمزية. يمكن للعاملين المشاركة في دورات تدريبية معتمدة أو الحصول على شهادات مهنية أو أكاديمية،ما يساعدهم على تطوير قدراتهم ومهاراتهم بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل المتغيرة. كما يجب أن يكون التعلم والتطوير الذاتي مستمرًا، حيث يتعين على الموظفين تخصيص وقت دوري لتعزيز معرفتهم والتفاعل مع أحدث الممارسات الاحترافية.
دور الحكومات والمجتمعات
وأكد على ان الحكومات والمجتمعات تلعب أيضًا دورًا حيويًا في دعم العمال الذين فقدوا وظائفهم بسبب الأتمتة. حيث ان العديد من الدول تتخذ خطوات لمعالجة هذا الأمر، بما في ذلك استحداث برامج تدريب مهني متنوعة في مختلف القطاعات الاقتصادية لإعادة تأهيل المهارات. حيث تُعتبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص وسيلة فعالة لخلق فرص عمل جديدة تناسب احتياجات السوق. كما تسهم الحكومات بتوفير دعم مالي وبرامج توجيه للمساعدة في انتقال العمال إلى وظائف جديدة، ما يخفف من آثار التغيرات التكنولوجية على الأفراد."
وأضاف: "على صعيد آخر، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين الإنتاجية من خلال دعم العاملين بدلا من استبدالهم. يهدف الذكاء الاصطناعي إلى تحسين العمليات من خلال استخدام البرمجيات التنبؤية وتحليل البيانات، ما يساعد في اتخاذ قرارات مستندة إلى بيانات دقيقة في الوقت المناسب. كما يمكن أن تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات الصيانة والتشغيل، وتحليل البيانات الضخمة، بالإضافة إلى أتمتة المهام الروتينية التي لا تتطلب جهدًا كبيرًا. حيث ان هذا يسمح للعاملين بالتركيز على مهام أكثر تخصصية وإبداعية، ما يزيد من الكفاءة والإنتاجية."
كما تشير الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُعزز الابتكار ويخلق فرص عمل جديدة في مجالات متعددة، مثل الرعاية الصحية، التعليم، والصناعة. لذلك، فإن التكيف مع هذه التغيرات يتطلب استراتيجية شاملة تجمع بين التعليم والتدريب المستمر وتطوير السياسات العامة التي تدعم العمال في مواجهة التحديات الناتجة عن الأتمتة. حيث ان الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة تمثل فرصة لتحسين بيئات العمل وزيادة الإنتاجية، شرط أن يُدعم العمال بشكل فعال لمواكبة هذه التغيرات. كما يتطلب ذلك جهودًا مشتركة من الشركات والحكومات والمجتمعات لضمان مستقبل مستدام ومزدهر للجميع.
خطوات تعزيز المهارات
من جانب آخر أشار الخليل بن أحمد العبدلي مدرب أدوات الذكاء الاصطناعي إلى أنه لتعزيز مهارات العمال في مواجهة التغيرات التكنولوجية السريعة، يمكن اتباع عدة خطوات أساسية. فبداية يحتاج العمال إلى متابعة التعلم والتطوير من خلال الانخراط في ورش ودورات تدريبية تغطي أحدث التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، وأدوات البرمجة. كما ان الهدف هو بناء فهم متين لتطبيقات التكنولوجيا الحديثة وتطوير المهارات اللازمة لتطبيقها في مهامهم اليومية. بحيث يساهم هذا التعلم المستمر بتعزيز القدرة التنافسية للعمال في سوق العمل المتغير.
وأضاف: توفر منصات التعليم عبر الإنترنت، مثل كورسيرا ويوديمي، مرونة للعمال للحصول على المعرفة والشهادات ذات الصلة من خلال دورات تخصصية. حيث ان هذه المنصات تمكّنهم من تعلم تقنيات جديدة بشكل متواصل ودون التقيد بزمان أو مكان محدد، ما يزيد من فرص وصولهم إلى مصادر تعليمية متنوعة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للعمال الاستفادة من المنتديات النقاشية والمجتمعات الإلكترونية لتبادل المعرفة والخبرات.
وأكد العبدلي ان الانخراط في مشاريع عملية لتطبيق المعرفة المكتسبة يعزز من قدرة العمال على استيعاب التكنولوجيا الجديدة بشكل أعمق. فمن خلال العمل الجماعي في مشاريع حقيقية، يمكنهم اكتشاف حلول مبتكرة للمشكلات التي قد تواجههم، ما يساهم في تحسين جودة العمل وزيادة الإنتاجية. كما ان التعلم من ذوي الخبرة من خلال الموجهين يعد وسيلة فعالة لتسريع فهم العمال للتكنولوجيا وتطبيقاتها. حيث ان الموجهين يمكن أن يقدموا نصائح عملية وإرشادات قائمة على خبراتهم السابقة، ما يساعد في تجنب الأخطاء الشائعة ويسرع من عملية التعلم. كما أن حضور موجهين في بيئات العمل يشجع على تبادل المعرفة، ما يخلق ثقافة تعلم مستمر داخل المؤسسات.
وأوضح العبدلي انه مع تزايد الاعتماد على فرق عمل متنوعة التخصصات، يصبح من المهم للعمال تطوير مهارات التعاون مع زملاء من خلفيات متنوعة مثل المهندسين والمطورين والمحللين. حيث ان هذا التعاون يضمن دمج سلس للتكنولوجيا في العمل، حيث يمكن لكل فرد تقديم رؤيته الفريدة ومهاراته الخاصة. كما يساهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في تغيير طبيعة العمل اليومي للموظفين. فهو يساعد في أتمتة العديد من المهام الروتينية، مثل معالجة البيانات والرد على الاستفسارات المتكررة. وهذا يوفر وقتا وجهدا للموظفين، ما يتيح لهم التركيز على مهام أكثر إبداعًا واستراتيجية، مثل تطوير الأفكار الجديدة وتحليل البيانات بشكل أعمق.
كما تتيح أدوات التحليل القائمة على الذكاء الاصطناعي للموظفين اتخاذ قرارات أكثر دقة وسرعة بفضل البيانات المتاحة والتحليلات الفورية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه الأدوات أن توفر توقعات دقيقة تعتمد على أنماط البيانات السابقة، ما يساعد في التخطيط الاستراتيجي.
كما أكد العبدلي ان تقنيات الذكاء الاصطناعي تُمكِّن المساعدين الافتراضيين والدردشة الآلية والموظفين من إنجاز مهامهم من أي مكان وفي أي وقت، ما يعزز المرونة ويساهم بتحسين إنتاجيتهم. هذا التحول يتيح أيضا فرص العمل عن بُعد، ما يزيد من رضا الموظفين ويساعد في جذب المواهب الجديدة.
ويقول العبدلي رغم الفوائد العديدة للذكاء الاصطناعي، تواجه الشركات عدة تحديات في دمجه ضمن بيئة العمل. حيث ان تقنيات الذكاء الاصطناعي تتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية والبرمجيات، بالإضافة إلى تكاليف التدريب اللازمة للموظفين. حيث يمكن أن تكون هذه التكاليف عائقًا أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة التي قد لا تمتلك الموارد المالية الكافية. وأشار إلى ان هناك أيضًا فجوة كبيرة بين المهارات المطلوبة لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي والمهارات المتاحة لدى الموظفين، ما يتطلب جهودًا كبيرة لتدريب القوى العاملة. حيث يتعين على الشركات الاستثمار في برامج تدريب متقدمة لضمان أن يكون موظفوها مجهزين بالمعرفة الضرورية.
وقال العبدلي: "قد يشعر بعض الموظفين بالقلق بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على وظائفهم، خاصة إذا كان هناك تهديد بفقدان الوظائف نتيجة لأتمتة المهام. لذا، يجب على الشركات إدارة هذه المخاوف من خلال التواصل الفعال وتوضيح كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز أدوار الموظفين بدلاً من استبدالهم".
كما أنه من الناحية الأمنية والتقنية تتطلب معالجة كميات كبيرة من البيانات استخدام الذكاء الاصطناعي، ما يفرض تحديات على مستوى الأمان وحماية المعلومات الحساسة. تحتاج الشركات إلى اعتماد استراتيجيات قوية لحماية البيانات لضمان سلامة المعلومات وخصوصية العملاء. كما تواجه الشركات أحيانًا صعوبة في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي مع أنظمتها الحالية، خاصة إذا كانت تعتمد على تقنيات قديمة. ويتطلب هذا التكامل إجراء تحديثات شاملة للبنية التحتية التقنية لضمان توافق الأنظمة.
باتباع هذه الاستراتيجيات، يمكن أن تضمن الشركات النجاح في مواكبة التحولات التكنولوجية وتحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي.
تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف
من جانبه قال المهندس إبراهيم بن عبد الله الحوسني رئيس لجنة الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي بغرفة تجارة وصناعة عمان: "يمكن للذكاء الاصطناعي والأتمتة التأثير بشكل كبير على الوظائف الروتينية والمتكررة التي تعتمد على العمل اليدوي أو الإداري البسيط، وهي الأكثر عرضة للتغيير. ويشمل ذلك وظائف إدخال البيانات، المهام الإدارية، وظائف خطوط التصنيع والتجميع، خدمات الترجمة البسيطة، وتصميم الجرافيك الأساسي، بالإضافة إلى تحليل البيانات المالية البسيطة وإعداد التقارير. من بين الوظائف الأكثر تأثرًا: عمال خطوط الإنتاج في المصانع، موظفو الدعم الإداري، موظفو الاستقبال، والمحاسبون التقليديون. وفي المقابل، هناك وظائف أقل تأثرًا بالذكاء الاصطناعي، خاصة تلك التي تتطلب وجود العامل البشري بشكل مباشر، مثل خدمات التمريض والرعاية الطبية، المعلمين، والمعالجين الفيزيائيين. ومع ذلك، قد يؤثر الذكاء الاصطناعي على هذه المهن من خلال تقليل عدد العاملين أو تغيير آلية العمل. على سبيل المثال، في قطاع التعليم شهدنا التحول الرقمي الذي أتاح إمكانية الدراسة عبر الإنترنت والوصول إلى مصادر المعرفة بشكل أوسع، لكن دور المعلم يظل جوهريًا في العملية التعليمية، وإن كان التأثير قد حدث في كيفية أداء العمل وآلياته.
معالجة الفجوات الاجتماعية
لذا يجب علينا إدراك التحول الكبير الناتج عن ظهور التقنيات الحديثة، وعلى وجه الخصوص الذكاء الاصطناعي. وإذا لم نتعامل مع هذا التحول ونسعى لمواكبته، فقد يؤدي ذلك إلى تأجيج التوترات الاجتماعية أو تفاقم مشكلة عدم المساواة في سوق العمل. فقد شهدنا خلال السنوات الماضية كيف أصبحت الأجهزة الإلكترونية مثل الحواسيب، الهواتف النقالة، والأجهزة اللوحية أدوات لا غنى عنها للتواصل وتبادل المعلومات والعمل، بعد أن كان عدد مستخدمي هذه الأجهزة محدودًا للغاية. إن تأخرنا في مواكبة هذا التحول سيخلق فجوة في قدرتنا على التطور والتأقلم مع التغيرات العالمية المتسارعة. فبجانب المهارات الأساسية كمهارات التواصل والتعاون وغيرها، سيكون علينا تطوير مهارات جديدة تتعلق بأمن الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية والبرمجة وخوارزميات الحاسوب والعديد من المهارات لمواكبة هذه التغيرات.
وعلى صعيد متصل فإن قطاع التكنولوجيا نفسه شهد نموًا كبيرًا، بما في ذلك تطوير البرمجيات، الذكاء الاصطناعي، وأمن المعلومات. وانعكس هذا النمو بشكل ملحوظ على عدة مجالات كالرعاية الصحية (التكنولوجيا الطبية) والتعليم (التعليم عن بعد) والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والتجارة والتسويق الإلكتروني وإنترنت الأشياء. فهذه القطاعات شهدت نموًا ملحوظًا بسبب التكنولوجيا. كما ساعد وجود الذكاء الاصطناعي في جعل العديد من الأعمال الروتينية أكثر كفاءة كالترجمة والتحقق اللغوي وصياغة الرسائل والبريد الإلكتروني وغيرها، ما يسمح ويعزز من تركيز الموظفين على المهام الإبداعية أو الاستراتيجية. ويمكن أن يقلل من الوقت الذي يقضيه الموظفون في إدخال البيانات أو المهام المتكررة، ولكنه قد يزيد الحاجة إلى تعلم أدوات وتقنيات جديدة.
التحديات الاقتصادية
وأضاف الحوسني: "يعد نقص الكفاءات المدربة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكلفة العالية للتكنولوجيا الجديدة والحاجة إلى تطوير البنى التحتية والأنظمة من أهم التحديات التي تواجه الشركات في دمج الذكاء الاصطناعي. هذا على الصعيد التقني، أما من الناحية المجتمعية فقد يواجه بعض التحديات التي تتعلق بتقبل المجتمع والتحديات المتعلقة بالخصوصية والأمان." وكما يقال: الوقاية خير من العلاج. لذا، يجب أن نركز على قطاع التعليم وتحديث المناهج الدراسية لتواكب هذا التحول التكنولوجي، ما يضمن أن يكون الجيل القادم مجهزًا بشكل أساسي للتعامل مع هذه التطورات. هناك عدة حلول يمكن أن تساعد في مواجهة تحديات فقدان الوظائف الناتجة عن التحول الرقمي والتكنولوجيا الحديثة، مثل توفير دعم مالي مؤقت للمتضررين، وتنفيذ برامج تدريب مهني وإعادة تأهيل وظيفي، بالإضافة إلى تعزيز الأمن الاجتماعي والرعاية الصحية. كما يجب تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص وتحديث القوانين والسياسات لضمان تكيف المجتمعات مع هذه التحولات. حيث إنه من شأن هذه الإجراءات أن تقلل من الآثار السلبية لفقدان الوظائف وتساعد الأفراد المتضررين على التكيف مع التغيرات في سوق العمل. كما أن التعليم المستمر ضروري لتزويد الأفراد بالمهارات المطلوبة في سوق العمل المتغير. حيث يجب أن يتم التركيز على التدريب العملي والتخصصات الجديدة مثل علوم البيانات والبرمجة والذكاء الاصطناعي، ما يساعد العمال على البقاء مواكبين للتطورات.
كما أضاف الحوسني أنه يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى زيادة الفجوة الاقتصادية إذا لم يتم توزيع فوائده بشكل عادل، بحيث قد يستفيد المتمرسون في التكنولوجيا بينما يتأثر الآخرون سلبًا. ومع ذلك، يمكن تقليل الفجوة إذا تم توجيه استثمارات في التعليم والتدريب لإتاحة الفرص للجميع. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحسن الإنتاجية من خلال أتمتة المهام الروتينية، ما يسمح للموظفين بالتركيز على المهام الأكثر إبداعية واستراتيجية. هذا النهج يتطلب من الشركات إعادة توزيع المهام بدلا من التخلص من الوظائف. ويتوقع أن تزداد الحاجة إلى المهارات التقنية المتقدمة، مثل البرمجة وتحليل البيانات، وسيشهد سوق العمل تحولًا نحو الوظائف التي تتطلب إبداعًا وتفكيرًا استراتيجيًا. في المقابل، ومن المرجح أن تختفي بعض الوظائف الروتينية أو يتم تقليصها، ما يتطلب من الأفراد التكيف مع متطلبات المهارات الجديدة.
رأي الخريجين
من جانب آخر فإن سعيد بن عبد الله العزري، خريج من الكلية المهنية بعبري، يعبر عن رأيه بشأن تأثير الأتمتة والذكاء الاصطناعي على سوق العمل. ويشير إلى أن أكثر الوظائف عرضة للأتمتة هي المهن الروتينية والمتكررة، مثل تلك الموجودة في خطوط الإنتاج، ومراكز خدمة العملاء، والوظائف المحاسبية البسيطة. ويرجع ذلك إلى أن هذه الوظائف تعتمد على مهام يمكن برمجتها بسهولة وتعليم الآلات لأدائها، ما يعزز من كفاءة الإنتاج ويقلل الحاجة إلى التدخل البشري. وللتكيف مع هذه التحولات، يؤكد سعيد على ضرورة تطوير المهارات. كما يجب على العمال التركيز على مهارات التفكير النقدي، وحل المشكلات، والإبداع، والتعلم المستمر. حيث يعتبر التعليم عبر الإنترنت، والدورات التدريبية، والشهادات المهنية في مجالات تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي أدوات قيمة لتعزيز تلك المهارات.
وتحدث العزري عن الصناعات التي ستشهد أكبر نمو، مشيرًا إلى صناعة التكنولوجيا والمعلومات، والذكاء الاصطناعي، والرعاية الصحية، والطاقة المتجددة. هذه القطاعات تعتمد على التكنولوجيا المتطورة وتحتاج إلى مهارات متخصصة، ما يوفر فرص عمل جديدة للموهوبين. كما تطرق العزري إلى الفجوة المحتملة بين الأجور، حيث يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى زيادة هذه الفجوة. فالوظائف المتخصصة التي تتطلب مهارات متقدمة ستكون ذات طلب عالٍ وأجور مرتفعة، بينما الوظائف الأقل مهارة قد تواجه خطر الأتمتة، ما يزيد من عدم المساواة الاقتصادية. أما فيما يتعلق بدور الحكومات والشركات، يقترح العزري ضرورة تقديم برامج تدريبية للعمال المتأثرين بالأتمتة، وتحفيز البحث والتطوير في التقنيات الجديدة، بالإضافة إلى إنشاء سياسات تشجع التوظيف الشامل والدائم. كما أكد على أهمية التعليم في هذا السياق، حيث يجب أن تشمل المناهج الدراسية مواضيع مرتبطة بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا منذ سن مبكرة، مع التركيز على المهارات الرقمية والإبداع والتفكير النقدي. هذا سيمكن الأجيال القادمة من التأقلم مع التغيرات السريعة في سوق العمل. أما عن تأثير التكنولوجيا على جودة العمل والحياة اليومية، فيرى العزري أن التكنولوجيا يمكن أن تحسن من كفاءة العمل وتجعل المهام الروتينية أكثر سهولة، ما يتيح للموظفين التركيز على مهام أكثر إبداعية واستراتيجية. ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن هذا التقدم قد يؤدي أيضًا إلى زيادة الضغط لتحقيق أداء عالٍ دائمًا، ما يتطلب من الأفراد التكيف مع هذه المتغيرات.