06-آذار-2023

اعتماد أبل على الصين

اعتماد أبل على الصين
بلا شك تعد أبل واحدة من أنجح شركات التكنولوجيا في تاريخ العالم فقد اخترعت منتجات تكنولوجية مبتكرة وعالية الجودة تغلغلت في كل ركن من أركان العالم لتصبح أكبر شركة تقنية في العالم من حيث الإيرادات في 2021 التي وصلت إلى 294 مليار دولار.
استثمرت أبل مئات الملايين في البحث والتطوير وتعمل عن كثب مع مرافق التصنيع الصينية لتضمين عملياتها في خطط عملهم، فضلاً عن اتخاذ الريادة في تقنيات التصنيع الجديدة والتحكم الصارم في سلاسل التوريد لإنتاج منتجات عالية الجودة. أدى اهتمام الشركة بالتفاصيل إلى التحكم في جودة أصغر الأجزاء، والاستفادة من قوتها في تحديد كيفية إنتاج المكونات بأدق تفاصيلها.
دفع هذا المصنعين الصينيين إلى العمل بجد للوفاء بمواعيد الإنتاج الصارمة والضيقة التي حددتها أبل، مما أدى إلى عملية توريد وتصنيع معقدة للغاية في الصين. وأصبح هذه العملية متخصصة ومعقدة لدرجة أنها أحدث تحولات كبيرة عبر البلاد، حيث استثمرت أبل مليارات الدولارات على الآلات المخصصة والعمليات المتخصصة والملكية الفكرية وبناء سلسلة توريد واسعة النطاق مع العديد من الشركات المحلية، مع متابعة العملية بأكملها بشكل وثيق لضمان الامتثال للمعايير. وتعد الخبرة المتاحة الآن في الصين نتيجة مباشرة لدخول شركة أبل وبناء كفاءات فنية ضخمة سمحت لها بتطوير اقتصاديات الحجم والتفوق التقني وبناء كفاءات لا مثيل لها.
يمكن أن يُعزى هذا النجاح إلى حد كبير إلى الرئيس التنفيذي لشركة أبل، تيم كوك، الذي نقل عملياتها من الولايات المتحدة إلى الصين وركز على الرقابة المشددة على سلسلة التوريد، مما فرض الجودة والعمليات التي يجب أن تتبعها الشركات الصينية، فضلاً عن التفاوض بشكل مكثف على الهوامش. كان بناء علاقة وثيقة مع أبل مفيدًا للغاية لعمالقة التصنيع مثل فوكسكون التي شهدت زيادات هائلة في الإيرادات وتوسعت بشكل كبير نتيجة للطلب العالمي على منتجات أبل.
ومع ذلك، فإن مثل هذا الاعتماد الكبير على الصين يعتبر سلاح ذو حدين وله توابعه، فقد أصبح نجاح أبل في الصين أيضًا نقطة ضعف للشركة.
إن الطريقة التي تتداخل بها أبل بشكل معقد في نسيج التصنيع الصيني تجعل من الصعب عليها تنويع إنتاجها في بلدان أخرى ليس لديها الخبرة ولا سلسلة التوريد التفصيلية المتوفرة في الصين والتي طورت نظامًا بيئيًا تقنيًا متطورًا للغاية مع عدد كبير من المقاولين من الباطن المتخصصين والموردين وكميات هائلة من العمال المهرة تقنيًا.
مع تزايد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، أصبح هذا يمثل مشكلة كبيرة لشركة أبل الأمريكية. ارتفعت المنافسة التكنولوجية بين الدول بشكل حاد خلال السنوات السابقة، ولم تتقبل الإدارة الأمريكية نظام شي الاستبدادي على الإطلاق، وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية بين البلدين. تظل شركة أبل عالقة في المنتصف وتتعرض لضغوط شديدة من السياسيين الأمريكيين لنقل عملياتها إلى مكان آخر. ومع ذلك، فهي تواجه مشكلة كبيرة في فصل نفسها عن الصين.
يمكن القول إنه لا توجد شركة تكنولوجيا أخرى تشترك في علاقة تكافلية وثيقة مع الصين كما تفعل أبل. لقد أغلقت سامسونج، الشركة الوحيدة التي تبيع هواتف ذكية أكثر من أبل، مصانعها في الصين في عام 2019، لتصنيع 75٪ من هواتفها في الأرجنتين وفيتنام. من ناحية أخرى، تصنع أبل جميع أجهزتها تقريبًا في الصين.
قد تكون الهند خيارًا جيدًا لأن شركة أبل تنتج بالفعل أجهزة آيفون الأرخص هناك، ولكن نقل إنتاج كل منتجات أبل لا يزال صعبًا حيث سيتعين على الهند استيراد كل شيء من الصين. يجب أن تبني كل الخبرات المتطورة وسلاسل التوريد المرنة والمعايير الاستثنائية التي طورتها الصين على مر السنين، والتي لا يمكن القيام بها بين عشية وضحاها.
أخشى أن تكون شركة أبل قد أصبحت معتمدة بشكل كبير على الصين بحيث لا يوجد حل للخروج من المأزق الذي تجد نفسها فيه. قد يستغرق الأمر عقودًا حتى يتمكن أي منافس من الوصول إلى السرعة وسلسلة توريد المكونات التفصيلية داخل الصين، بجانب إتقانها التكنولوجي، يكاد يكون من المستحيل تكرارها في مكان آخر. في بعض المجالات التكنولوجية، تعد الصين المكان الوحيد الذي يمتلك الخبرة. من الصعب للغاية العثور على مجموعة المهارات الفنية والبشرية التي طورتها الصين على مر السنين في أي بلد آخر.

طلال أبوغزاله