01-كانون الثاني-2022

المعركة ضد المعلومات المضللة

إن حرباً جديدة قد اندلعت. وهي ليست معركة أسلحة أو جيوش بل معركة كلمات وأفكار وآراء ساحتها شبكة الإنترنت، مع إثبات أن القلم الإلكتروني أقوى من الجنود شاهراً تأثيره العالمي على أرجحة عقول الجمهور.
بوجود الانترنت، أصبح الجمهور يُغذَّون باستمرار بسيل من المعلومات والآراء والأخبار التي تستطيع بسهولة أن تؤدي إلى التلاعب بالرأي العام. وهذا ينطوي على إشكالية خاصة حيث أصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والكذب، مع تقاذف المنابر الإعلامية المتنامية عبر الإنترنت باستمرار للمعلومات التي تغذي إدمان الجمهور وتؤدي إلى استفاضة المعلومات. إن نطاق الآراء والآراء المضادة المرتبطة بفايروس كوفيد ومنشأه، والمخاوف بشأن اللقاحات، والسلالات المتحولة، والإغلاقات الحكومية، وحظر التجول وغير ذلك الكثير هي من الأمثلة الأخيرة التي يمكن ملاحظتها على ذلك.
إن هذه الأزمة تحوّلت من كونها جائحة صحيّة إلى "وباء معلوماتي" حيث تتوافر الكثير من المعلومات -صحيحة كانت أم غير ذلك- مسببةً التوتر والقلق في هذا الوضع الصعب أصلاً على الجميع. إن التعدي المتزايد لشركات التكنولوجيا على وسائل الإعلام وقدرتها على التأثير على الرأي العام هو أمر مزعج للغاية ويتطلب تحمل المزيد من المسؤولية عن المحتوى على منصاتهم. كان تضليل المعلومات على الإنترنت خلال جائحة كوفيد-19 وحدها ضخماً، مع لجوء الجميع لشبكة الإنترنت للحصول على إجابات وعلاجات وآراء وغير ذلك. ومن المذهل مشاهدة ما تعرض له عالمنا من تغيير خلال الاثني عشر شهراً الماضية فقط، مع مناقشة الناس اليوم لقضايا كانت تعتبر في الماضي من اختصاص الخبراء، وأصبح الجميع يملكون "رأياً" الآن.
وفي حين أن امتلاك المعرفة والاطلاع هو أمر جيّد، إلا أن امتلاك القليل من المعرفة يمكن أن يكون ضاراً، وامتلاك معلومات غير صحيحة هو أمرٌ أكثر ضرراً. إن ما ينطوي على تحديات أكبر هو عدم امتلاك المستهلكين في الغالب للقدرة على معرفة ما هي المعلومات الصحيحة، واعتمادهم الأعمى تقريباً على شركات التكنولوجيا كمصادر للحقيقة، مستبدلين بذلك آراء الخبراء المتمرسين بالشائعات. وقد أدى هذا على الصعيد العالمي إلى تعميق عدم الثقة بين المستهلكين والسياسيين وكذلك استقطاب أكبر في الآراء.
لقد تحولت شركات التكنولوجيا الآن إلى جهات فاعلة جيوسياسية بحيث يتم الآن تسخير المعلومات من قبل جماعات الضغط كسلاح لدفع أجندات معينة، وتشكيل الرأي العام، والترويج لنظريات المؤامرة وحتى التأثير على الانتخابات والأسواق المالية. من شأن هذا أن يوفر فرصة واسعة للجهات الفاعلة ذات النوايا الخبيثة التي ترغب في التأثير على الرأي العام، وتسليحها بترسانة من الأدوات عبر الإنترنت ما يجعل هذه المسألة قضية أمن قومي وعالمي. من الواضح أن فضاءنا الإلكتروني الدولي بحاجة للضبط بفعالية لا تقل عن المطلوب لضبط وحماية حدودنا الجغرافية. ويتطلب هذا من الحكومات أن تمتلك أطر عمل قوية للإشراف على هذه الشركات ومراقبتها ومساءلتها بطريقة عادلة وشفافة لحماية المستهلكين بشكل أفضل من المعلومات غير الصحيحة.
وقد أدى النفوذ المتزايد للعالم السيبراني، والمقاومة المستمرة للإنترنت المتاح مجانا بلا قيود إلى اعتماد بعض البلدان لتدابير صارمة لحظر الوصول لأجزاء معينة من الإنترنت بحيث تتمكن الدولة من التحكم فيما يتاح للمواطنين ويؤثر على الرأي العام. وقد طبّق هذا تحت ستار كبح المعلومات المضللة، ولكن في الواقع يتم استخدامه لتقييد الحريات الديمقراطية، والترويج لأجندات الدولة وإخماد أصوات المعارضة، والذي يصعب اعتباره استخداما عادلا لهذه السلطات.
مع انتشار هذا الوباء المعلوماتي، اتخذت شركات التكنولوجيا إجراءات من خلال إدخال سياسات رامية إلى القضاء على المعلومات الخاطئة، لا سيما الأخبار الكاذبة المتعلقة بكوفيد-19. وأصبح لديها الآن بعض التدابير المتبعة للإبلاغ عن مثل هذا المحتوى وإزالته بتوجيه من الكيانات العامة والمسؤولين. لكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به لوقف هذا وتعزيز المحتوى من مصادر موثوقة. ويبدو أن مواقع الأخبار التافهة والمزيفة أصبحت أكثر تعقيدا في نهجها حيث باتت تعتمد الأساليب المتقدمة في تحسين محرك البحث لتحقيق ترتيب عالي التصنيف عند البحث في المحركات وبذلك باتت تتسلل إلى نتائج بحث المستهلكين.
يتمثّل جوهر المشكلة في أن نماذج أعمال هذه الشركات مبنية على الإعجاب والمشاركة والمشاهدات ما يوّلد لها ثروات هائلة من المستهلكين الذين يشاهدون الفيديوهات والإعلانات المرتبطة بها. في حال رغبنا في إحراز مزيد من التقدم في محاولة تقليل المعلومات المضللة، فيجب تغيير نموذج الأعمال الخاص بتلك الشركات كونها تفتقر في الوقت الحالي لحافز يدفعها لعرض محتوى أقل إثارة للجدل، كون ذلك يؤثر في النهاية على عائدات إعلاناتهم. إن التأكد من صحة الحقائق هو بالتأكيد تمرين أساسي هنا ولكنه فقط جزء من الأحجية التي تتطلب استجابة أكثر شمولاً.
بوضع هذا في الاعتبار، باعتقادي ينبغي تبني نهج أكثر قوة يتضمن" مايلي:
تنظيم وتشريع أكبر لشركات التكنولوجيا
المزيد من الشفافة حول آلية عمل تقنيتها
كفاءة فنية أكبر داخل الحكومات والوزارات
سياسات قوية تراجع بانتظام بما يتماشى مع الابتكارات الجديدة
رصد شركات التكنولوجيا من أجل وضع المستهلكين في المقام الأول
امتلاك شبكات الاتصال اللازمة للتعامل مع الوباء المعلوماتي والمعلومات المضللة
بناء شراكات قوية بين القطاعين العام والخاص تشجيعاً للمعرفة ونقل المهارات
إنشاء لجان مستقلة للنظر في حالات التضليل لأغراض المساءلة.

تعد التقنيات الرقمية عنصرا أساسيا في تطوير مستقبل مستدام لعالمنا. إنها تلعب دورًا أكبر في زيادة الإنتاجية وتسهيل التجارة وخلق فرص جديدة والمساعدة في إعلام المستهلكين. وهذه موارد حيوية تتطلب حوكمة وحماية أفضل لتجنب الاستخدام الضار، بحيث يكون مستهلكونا مجهزين بمعلومات صحيحة وفي الوقت المناسب لتساعدهم على أن يكونوا فاعلين وأكثر إنتاجية في المجتمع.
إن تطوير مستقبل مستدام لعالمنا يعتمد بشكل أساسي على التقنيات الرقمية التي تعد عنصراً أساسياً فيه. فهي تلعب دوراً أكبر في زيادة الإنتاجية، وتسهيل التجارة وخلق فرص جديدة والمساعدة على إعلام المستهلكين. تعد هذه موارد ضرورية تتطلب حوكمة وحماية أفضل لتجنب الاستخدام الضار، بحيث يكون المستهلكون مجهزين بمعلومات صحيحة وفي الوقت المناسب تساعدهم بدورها على أن يكونوا فاعلين أكثر إنتاجية في المجتمع.
تحتاج العلاقات المتحركة بين الجرائم الإلكترونية والحكومات وشركات التكنولوجيا والمعلومات المضللة إلى التحقيق بشكل أفضل وإلى معالجة أنسب حيث بدأ الناس يفقدون الثقة بالأمور بوضعها الحالي. فيجب تطوير ثقة عامة أكبر على المستويين الوطني والدولي لتحسين حماية الحقوق والحد من الآثار الضارة طويلة الأمد للمعلومات المضللة.