احسان التميمي
منذ نكبة فلسطين عام 1948، انتهجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بلا هوادة سياسة تهويد مدينة القدس، وقد تجلى هذا النهج العدواني من خلال احتلال المدن والقرى والأحياء الفلسطينية، غير أن تأثير هذا التهجير المنهجي امتد إلى ما هو أبعد من مجرد النقل الجسدي، حيث سيطرت إسرائيل أيضًا على الممتلكات الفلسطينية وسنت قوانين تمنع أصحابها الشرعيين من العودة.
وكان أحد أهم الأدوات القانونية المستخدمة في هذه العملية هو قانون "أملاك الغائبين"، بهدف ترسيخ تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم من خلال تقييد قدرتهم على استعادة منازلهم وأراضيهم مخلفا عواقب عميقة ودائمة على السكان الفلسطينيين حتى يومنا هذا.
لذا فإن دراسة الجوانب الديموغرافية هي عدسة محورية يمكننا من خلالها كشف النسيج المعقد لتاريخ الشعب الفلسطيني، وفهم ظروفه الحالية، وإلقاء الضوء على المسارات المحتملة لمستقبله الديموغرافي، فالسردية الفلسطينية، تشكلت من خلال تفاعل معقد بين الأحداث التاريخية والتحولات الجيوسياسية والديناميات المجتمعية، متجذرة بعمق في التركيبة الديموغرافية.
إن الفحص الدقيق للماضي يوفر رؤى حاسمة حول القوى التي شكلت الهوية الفلسطينية، في حين يسلط التحليل المعاصر الضوء على التحديات والفرص التي تواجه الفلسطينيين، مع الاعتراف بأن مثل هذا المسعى لا يثري فهمنا لماضيهم وحاضرهم فحسب، بل يزودنا أيضًا بالبصيرة اللازمة للتنقل في مجتمعهم الديموغرافي.
وتضيف مبادرة" كم نحن"، التي أطلقتها مؤسسة "كلنا من أجل فلسطين" طبقة أخرى إلى النقاش الدائر حول الفلسطينيين في العالم، فهذه المبادرة الرائدة، التي ترتكز على دراسة تحليلية كمية شاملة، تتحدى التقديرات الحالية وتفترض أن عدد المتحدرين من أصل فلسطيني المنتشرين حول العالم يتجاوز 30 مليون شخص. وهذا الرقم، وهو أعلى بكثير من التقديرات السابقة، يسلط الضوء على حجم الشتات الفلسطيني ويسلط الضوء على الحاجة إلى فهم دقيق لحجم الشتات وتأثيره.
وتتجاوز المبادرة الأساليب التقليدية لتقدير أعداد السكان، وتهدف إلى الحصول على إحصاء أكثر شمولاً يأخذ في الاعتبار الأحفاد المولودين لأمهات فلسطينيات وآباء غير فلسطينيين، وهي فئة ديموغرافية غالبًا ما يتم تجاهلها في الحسابات التقليدية.
وتكتسب "كم نحن" زخمًا، فهي تحث على إعادة تقييم حجم الشتات الفلسطيني العالمي، مع التركيز على أهمية الاعتراف بالتنوع والتعقيد الكامن في هذا المجتمع الديناميكي والمرن.
ويذكر أن جمعية "كلنا من أجل فلسطين" تأسست في سبتمبر 2011 في باريس بحضور شخصيات فلسطينية من مختلف أنحاء العالم، وتم انتخاب مجلس أمناء مكون من تسعة عشر عضوا، برئاسة الدكتور طلال أبو غزالة، و صبري صيدم نائباً للرئيس، وتقتصر مهمة الجمعية على تقديم مرجع شامل يعرض الإبداعات التي صنعها الفلسطينيون وما زالوا يصنعونها من أجل الإنسانية، وتوفير ملتقى عالمي للمبدعين الفلسطينيين في مختلف المجالات مثل كالعلم والأدب، والمجالات الأكاديمية، وتوفير قاعدة معلومات لمبادرات أصحاب الإنجازات في خدمة الإنسانية، ومصدر إلهام للأجيال الفلسطينية القادمة.