17-كانون الثاني-2024

كيف يبدو الاقتصاد الصيني حاليا بعد التخلي عن سياسات "صفر كوفيد" الصارمة واتباع سياسة الانفتاح رفيع المستوى؟

بقلم: مأمون أبوالسباع
المدير التنفيذي لمعهد طلال أبوغزاله - كونفوشيوس
ومسؤول العلاقات العربية - الصينية

عقب جائحة كورونا، انتشرت العديد من التقارير والمؤشرات الاقتصادية صادرة عن سياسيين ومؤسسات ووسائل إعلام غربية، تتصف غالبيتها بمعادتها للصين، بتوقعات تفيد بانهيار الاقتصاد الصيني ودخوله في أزمة كبيرة لن تتعافى منها بكين في المستقبل القريب. وما أكد هذه التوقعات هو اتجاه شركة ايفرغراند -ثاني أكبر مطور عقاري في الصين ولديها أنشطة في 170 مدينة محلية- إلى الإفلاس، وذلك نتيجة عدم قدرتها على سداد مدفوعات قروضها.

 ونشرت بكين -الأسابيع الماضية- أرقاما إحصائية أظهرت معاناة اقتصادها للتعافي من حقبة كوفيد-19، وهو ما دفع الرئيس الأميركي جو بايدن للتحذير من أن هذه المشكلات تجعل من الصين "قنبلة موقوتة".

من جانبه فقد اعتبر الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الانتعاش الاقتصادي في الصين "لا يزال في مرحلة حرجة"، وذلك خلال اجتماع للمكتب السياسي للحزب الشيوعي منذ أسابيع قليلة. ودعا الرئيس الصيني إلى اتخاذ تدابير لتعزيز الاقتصاد قائلا إن "الوضع التنموي الذي تواجهه البلاد معقد، مع تزايد العوامل السلبية في البيئة السياسية والاقتصادية الدولية".

قد يتوهم البعض بأن المصاعب الاقتصادية التي تعاني منها الصين حاليا تسعد الولايات المتحدة والعالم الغربي، لكن الحقيقة مختلفة تماما، فالتباطؤ الاقتصادي الصيني له أضرار مباشرة على الاقتصاد العالمي، لأنه يشكِّل 40 % من النمو الاقتصادي العالمي.

وفي المقابل، فإن الصين تستنكر هذه التقارير، وترى أن وسائل الإعلام الغربية تضخم المشكلات الحاصلة في الصين حالياً لأسباب سياسية. وقد أكد لي هوي، المسؤول في اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح أن "الاقتصاد الصيني يتمتع بقدر كبير من المرونة والإمكانيات والحيوية، فضلا عن أن أسسه التي ستحافظ على النمو طويل الأجل لم تتغير"، مشيرا إلى تزايد العوامل الإيجابية التي تعزز التحسن الاقتصادي الشامل. أما وزير الخارجية الصيني فقد كان رده قاسياً حين قال: "إن الواقع سوف يصفعهم على وجوههم".

 وفي تقرير أعدته وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) أفاد بأن الاقتصاد العالمي المتعثر شهد العام الماضي صراعا من أجل الوقوف على قدميه مرة أخرى في حقبة ما بعد الجائحة. ووسط العديد من الضغوط الهبوطية والمشهد العالمي المعاكس غير المسبوق، أظهر الاقتصاد الصيني قدرا كبيرا من المرونة واليقين بالإضافة إلى مزيج من الاتجاه التصاعدي والاستمرارية.

في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023، حققت الصين نموا في الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي بنسبة 5.2 في المائة، وهي وتيرة دفعت الصين إلى الأمام مقارنة بالاقتصادات الرئيسية بالعالم، وبالتالي وضعت أساسا متينا لتحقيق هدفها السنوي وتنمية أقوى في العام المقبل.

وهنا يمكننا طرح سؤال: لماذا يستطيع الاقتصاد الصيني المضي قدما في مواجهة الرياح المعاكسة المتمثلة في تصاعد عدم الاستقرار والشكوك العالمية؟

 فبالإضافة إلى نقاط قوتها الاقتصادية، يمكن أيضا أن يُعزى الانتعاش الاقتصادي المطرد الذي حققته الصين بشق الأنفس إلى سعيها الدؤوب إلى مبادرات جديدة تهدف إلى تحقيق تنمية عالية الجودة، فضلا عن التزامها الثابت بالانفتاح رفيع المستوى.

في العام الماضي، خطت صناعات السيارات الكهربائية الصينية خطوات كبيرة. كما يعمل صانعو السيارات الكهربائية الرئيسيون في الصين على زيادة استثماراتهم في الخارج، لا سيما في أوروبا. أما فيما يتعلق ببطاريات المركبات الكهربائية، فقد شهد التعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي تطورا كبيرا وملحوظا، حيث وقعت شركة "ستيلانتس"، رابع أكبر مجموعة سيارات في العالم والتي تمتلك 16 شركة سيارات، وشركة "أمبيريكس" للتكنولوجيا المعاصرة، الرائدة في مجال الابتكار في تقنيات الطاقة الجديدة من الصين، مؤخرا مذكرة تفاهم، تغطي التوفير المحلي لخلايا ووحدات بطاريات فوسفات الحديد الليثيوم لدعم إنتاج المركبات الكهربائية في أوروبا.

وتعمل الصين على تعزيز نموذج تنمية جديد من خلال الانفتاح عالي الجودة، والذي اعتبر ضروريا لنهضة الصين الاقتصادية المعجزة على مدى العقود الأربعة الماضية.

وفي شهر أكتوبر، عقدت الصين الدورة الثالثة من منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي. ويصادف هذا العام الذكرى الـ10 لمبادرة الحزام والطريق والذكرى الـ45 للإصلاح والانفتاح في الصين. وتمثل مبادرة الحزام والطريق انفتاحا عالي الجودة جنبا إلى جنب مع التنمية عالية الجودة. وأسفر الاجتماع عن نتائج مثمرة، حيث بلغت قيمة الاتفاقيات التجارية الصينية الأجنبية 97.2 مليار دولار أمريكي. إن نجاح المنتدى يبعث برسالة واضحة تتمثل في السعي إلى التضامن والتعاون والانفتاح والنتائج المربحة للجانبين.

وباعتبارها شريكا تجاريا رئيسيا لأكثر من 140 دولة، تتخذ الصين أيضا تدابير جديدة لتحسين بيئة الأعمال المحلية للمستثمرين الأجانب.

وفي أغسطس، طرحت الصين مبادئ توجيهية تضم 24 إجراء محددا لزيادة تحسين بيئة الاستثمار الأجنبي وتعزيز تدفق الاستثمار الأجنبي، وهي دفعة كبيرة نحو انفتاح عالي الجودة.

وتقف الصين على أهبة الاستعداد للعمل مع الدول الأخرى لجعل كعكة السوق العالمية أكبر، وتعزيز آليات تقاسم المنافع على الصعيد العالمي، واستكشاف سبل جديدة للتعاون الدولي.

وأشار المستثمر والمعلق المالي المشهور عالميا جيم روجرز إلى أن التزام الصين بالانفتاح رفيع المستوى سوف "يفيد العالم بأسره". وهو يرى أن توسع الصين في الانفتاح رفيع المستوى مفيد للغاية لكل من العالم والصين. ويؤكد هذا المنظور على الترابط بين الاقتصادات العالمية والتأثير الإيجابي لسياسات الصين على نطاق أوسع.

وقال إن "كل ما قرأته عن الصين هذه الأيام هو أن بكين قررت أنها ستواصل الانفتاح"، مضيفا "أنها ستستمر في الانخراط بشكل أكبر مع العالم الخارجي".

مما لا شك فيه أن للغرب أجندته في محاولة الضغط على الصين بهذه التقارير التي توصّل بعضها إلى أن دور الصين الاقتصادي في المستقبل قد جرى تضخيمه، ولكن المتأمل في الواقع الصيني يدرك أنه إذا ما قامت الحكومة الصينية ببعض الإصلاحات الهيكلية في الدولة والتي قد تعطل الصين على المدى القصير، ولكنها جوهرية لاستمرار الازدهار الاقتصادي على المدى البعيد.