إحسان القاسم
برشلونة عاصمة كاتالونيا النابضة بالحياة توكد من جديد دورها كمدينة عالمية ذات ضمير، وتقرع جدران الخزان لنقاش أوسع حول المسؤوليات الأخلاقية للمدن العالمية في مواجهة الأزمات الإنسانية والصراعات الجيوسياسية، حين اتخذت خطوة تاريخية بجرأة وإنسانية من خلال قطع علاقاتها الاقتصادية مع الكيان المحتل على إثر العدوان الوحشي على قطاع غزة، وهي بادرة مقدرة نحو نظام القيم العالمي الذي يربط الإنسان بأخيه الإنسان بغض النظر عن دينه وعرقه.
وأرى أن قرار برشلونة، أكثر من مجرد موقف سياسي، وفيه تذكير قوي للمجتمع العالمي بأن حتمية الإنسانية تدعونا إلى الاتحاد ضد الظلم، وأن الحق والعدل يجب أن يكونا المبدأين الموحدين اللذين يتجاوزان الحدو، سيما أن قطع العلاقات مع الكيان المحتل ليست حادثة معزولة؛ بل تتماشى مع تاريخ برشلونة في مواجهة الاضطهاد والظلم، ودعوة عملية إلى الوقف الفوري للانتهاكات ضد حقوق الشعب الفلسطيني والالتزام الثابت بالقوانين الدولية.
وبينما نتأمل الآثار المترتبة على قرار برشلونة، فإننا مضطرون إلى التفكير في المسؤولية المشتركة التي نتحملها في تعزيز عالم تسود فيه مبادئ التضامن والعدالة والرحمة على قوى الانقسام التي تهدد إنسانيتنا المشتركة، إذ يشكل موقف برشلونة المبدئي شهادة على القوة الدائمة للعمل الجماعي المتجذر في الأخلاق والقيم سيما إنه يتحدى الوضع الراهن ويدعو العالم إلى إعادة ضبط بوصلته نحو مجتمع عالمي أكثر عدلاً وإنسانية وترابطًا.
وأرى أنه من الأمور المركزية في موقف برشلونة المبدئي الاعتراف بأن العوائق الرئيسية أمام تحقيق السلام الدائم ترجع جذورها إلى احتلال الأراضي الفلسطينية، إلى جانب إنكار حقوق الشعب الفلسطيني، أي أن القرار يعكس هذا القرار فهمًا دقيقًا للتحديات المتعددة الأوجه التي تعاني منها المنطقة، ويضع برشلونة كمدافع عن حل عادل ومستدام، سيما أنها دانت بصراحة سياسة العقاب الجماعي، والتهجير القسري، والتدمير المنهجي للمنازل والبنية التحتية المدنية، فضلا عن الحصار المفروض على الإمدادات الأساسية بما في ذلك الطاقة والمياه والغذاء والموارد الطبية لشعب قطاع غزة.
واللافت أن هذا القرار الأخير ليس المرة الأولى التي يختار فيها برشلونة قطع علاقاتها مع الكيان، على الرغم من الحفاظ على اتفاقية توأمة مدتها 25 عامًا مع مدينة تل أبيب، فقد أظهرت برشلونة في الماضي التزامها الثابت بالعدالة وحقوق الإنسان.
واللافت أكثر أن غزة، تواصل حصد تعاطف المدن في جميع أنحاء العالم، إذ أصبح النضال المستمر لسكانها الصامدين، الذين يواجهون وطأة عدو وحشي مدجج بالسلاح وتواطؤ حكومات عالمية، نقطة محورية التضامن، فمن شوارع لندن المزدحمة إلى الشوارع العالمية في نيويورك، يتردد صدى رواية غزة عبر الحدود الدولية، متجاوزة الفواصل الثقافية والجغرافية، وهذا التعاطف الجماعي ليس مجرد موجة سريعة الزوال من المشاعر؛ إنها شهادة على القوة الدائمة للتواصل البشري في مواجهة الشدائد.
غزة، أصبحت نقطة تجمع للمواطنين العالميين الذين يتناغمون بشكل متزايد مع المسؤولية المشتركة لمعالجة الأزمات الإنسانية، سيما في العصر الرقمي، حيث يعمل التواصل الفوري والوصول على نطاق واسع إلى المعلومات على سد الفجوات الجغرافية، مما يمكن الأحرار في جميع أنحاء العالم من المشاهدة والتعاطف والتعبئة بما يعزز شعورنا بالترابط الذي يؤكد إنسانيتنا المشتركة.