إن التغيرات المتلاحقة والتطورات التكنولوجية الكبيرة التي يشهدها العالم والتي قوامها التقدم العلمي والمعرفي، سوف تزيد من قدرة الانسان على توليد وانتاج المعرفة،
ومع ظهور البرمجة التفاعلية التوليدية المساة "الذكاء الصنعي" فإننا أمام ثورة معرفية جديدة هائلة، وعلينا أن ندرك أنه علينا اللحاق بهذه الثورة واللحاق بالركب العالمي للإستفادة من التطورات الهائلة لإمكانيات البرمجة التفاعلية.
والبرمجة التفاعلية التي هي إنشاء برامج وتطبيقات باستخدام الحاسوب تحاكي الذكاء البشري في أداء بعض المهام بدلاً من الإنسان والتي تتطلب التفكير والإدراك والتحدث والحركة بأسلوب منطقي ومنظم، فهي تتميز بالقدرة على تحليل ومعالجة البيانات بطريقة تساهم في حل المشكلات واتخاذ القرارات بطريقة تحاكي العقل البشري نفسه،
حيث يتم استخدام الأنظمة الخبيرة والتعلم العميق ويتم تدريبها على مجموعة من البيانات وتوفير أدوات تعليمها وتحسين قدراتها في المعالجة وزيادة القدرة على التعلم، و تتميز هذه الأنظمة بأنها في حالة تعلم دائم وبالتالي تحسين مستمر للأداء لتصبح أكثر ذكاءً مع كل عملية تشغيل او استخدام عن طريق تصحيح الأخطاء من خلال دراسة مئات بل ألاف الحالات والتعلم منها وتطبيقها على الظروف والحالات الجديدة.
كل ذلك يقودنا إلى أنه للخوارزميات والبيانات التي يتم تدريب الذكاء الصنعي عليها أمراً بالغ الأهمية، وهو ما يشبه الذكاء البشري إلى حد ما، فعملية المعالجة والنتائج المترتبة عليها تعتمد على نوع المعرفة التي يتم تلقينها أو تلقيها لهذا النظام الحاسوبي، لذلك فإن أي تحيز في بيانات التدريب والذي قد يكون نتيجة نقص في عينات البيانات وعدم شموليتها، أو انحياز هذه البيانات لصالح تركيبة أو مجموعة معينة، والتي تعتمد على خبرات ومعلومات الخبراء الذين قاموا بتدريب هذا النظام الذكي، قد يؤدي إلى تحيز في النتائج وقد يكون أو لا يكون هذا التحيز مقصوداً، ليس مهما، ولكن الأمر البالغ الأهمية أنه قد يؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج متحيزة على أساس النوع الاجتماعي أو العرق أو الجنس.
لذلك فإن أنظمة البرمجة التفاعلية ضمن أي منشأة او مؤسسة يجب أن تخضع للمراجعة والتدقيق، ولضمان تحقيقها لأهداف المنشاة يجب أن تؤسس على أساس أن المسؤولين والمعنيين بهذه الأنظمة لديهم المهارات والقدرات على مراقبة وتدقيق أداء أنظمة الذكاء الصنعي، بما يضمن انعكاس قيم المنشأة على أنشطة الذكاء الصنعي وأن تتماشى مع المسؤوليات الأخلاقية والاجتماعية لها.
لذك يعد اكتمال وشمولية البيانات التي سيبنى عليها الذكاء الصناعي أمراً بالغ الأهمية، حيث تحتاج هذه البيانات إلى طريقة لإدارتها وضمان أمنها ووثوقيتها وتوليفها والتحقق من صحتها أمرا بالغ الأهمية.
وإذا ما تحدثنا عن منطقتنا العربية التي تعاني أصلاً من ضعف رقمة البيانات وضعف المحتوى الرقمي العربي على الانترنت سواء كان هذا المحتوى باللغة العربية أم محتوى علمي وثقافي واجتماعي بلغات أخرى يشكل ذاكرة المنطقة العربية، فإننا سنكون أمام مواجهة وتحدي كبيرين، خصوصاً بعد انتشار تطبيقات الذكاء الصناعي التي أطلقتها العديد من الشركات العالمية مثل Google, Apple, Amazone, Microsoft … وغيرها، وتعاني هذه التطبيقات حالياً من ضعف الاستجابة للغة العربية، وكونها تتعلم أكثر من تجربة المستخدم، فإن الفجوة ستزداد مع مرور الوقت.
ومن أجل تقليل المخاطر المتعلقة بالتحيز المحتمل لخوارزميات الذكاء الصنعي، ولضمان مراقبة الأداء بشكل منتظم ضد مجالات التحيز المحتملة، ولأجل بناء الثقة في هذه التطبيقات، فإننا من جهة أولى يجب على المجتمع الدولي صياغة مبادئ أخلاقيات الذكاء الصناعي، ليس فقط لضمان عدم التحيز، بل لضمان مراقبة وتنظيم عمل هذه المنظومات بما يضمن استخدامها وتوظيفها لأهداف وتطور البشرية وتحقيق العدالة والمساواة وعدم تهميش بعض الفئات وخصوصاً النساء وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة وبعض الأعراق الاجتماعية.
ومن جهة أخرى يجب على القائمين في المنطقة العربية من مؤسسات حكومية وخاصة الاهتمام برقمنة البيانات والمعلومات باللغة العربية كضرورة ملحة للاستفادة من عصر الثورة الصناعية الرابعة (ثورة البرمجة التفاعلية المساة "بالذكاء الصنعي")، كما يجب السعي لبناء جيل معرفي قادر على استثمار وتطوير وتحسين أنظمة البرمجة التفاعلية وتوظيفها لخدمة الجميع في المنطقة العربية.
وحيث أن صناعة المستقبل تبدأ من الإهتمام بالحاضر، وهو ما يُحملنا مسؤولية بناء مستقبل أبناءنا، وإن إدراك هذه التحديات بعمق والسعي لتقليلها ما أمكن يشكل نقطة الإنطلاق الأساسية نحو مستقبل يواكب التطورات الحديثة القائمة على تكنولوجيا الذكاء الصنعي.
فاديا سليمان
مديرة مركز البرمجة
التفاعلية في مجموعة طلال أبوغزاله العالمية