بقلم: محمد شريف الجيوسي
يتميز شخص أبوغزاله؛ باستذكاره الماضي ليس لجهة البكاء على الأطلال، أو شعوراً بالإحباط أو هرباً من الحاضر واستحقاقات المستقبل، بل لاستخلاص الدروس والعبر، وتحويل المصاعب إلى فرص وقصص نجاحات.. ووفاءً لمن يستحقونه.
يستذكر أبو غزاله من موقع الواثق الوفي كل من دعمه أو قدم له فرصة أو أسدى له نصيحة أو كان سببا في تقدمه ونجاحاته المضطردة، سواء كان السبب بالمعنى الإيجابي أو حتى السلبي؛ بمعنى محاولة كسر إرادة أو رفض مقترح أو (إغلاق كوة ضوء ونور).. ما استدعى استنهاض أرقى لإرادة التحدي والإصرار على النجاح والتفوق والعبور حيث قطاف الثمار.
لم يكن أبو غزاله ممن ينكرون المعروف ولا ينسبونه إلى أهله، مذ كان طفلا لاجئا في لبنان، حتى تخرجه من الجامعة بمنحة من ألـ " أونروا “.. ولذلك رأيناه في كل مناسبة ـ مثلاً ـ يتحدث عن فضل لبنان عليه، ويعتبره بلده الثاني..
والأمثلة على ذلك كثيرة، سواء لجهة شعوره القومي العروبي بعامة، أو لجهة حديثه المتصل عما لقي في غير بلد عربي في فترات من حياته الممتدة؛ من الرعاية والعناية الفائقة بإبداعاته، فيما بعض الناجحين يخجلون من ذكر ماضيهم أو تذكر دور البعض في نجاحاتهم وصعودهم، بل وينكرونها، وحيث أن أبوغزاله لم يكن كذلك وجدناه يحظى باحترام وتقدير دول عربية كثيرة على ما بين بعضها ربما من تباينات.
ومما يروي أبو غزاله على الدوام ، ويتذكره بامتنان ؛ فضل الكويت عليه ، دولة وشعباً وأسرة حاكمة. يقول في هذا السياق أنه بعد أن رفضت العديد جداً من الشركات تشغيله فيها كمحاسب ، بعد تخرجه من الجامعة الأمريكية في بيروت ، وجد فرصته الأولى في شركة كويتية ، لكن الانسجام لم يستمر لأكثر من 3 سنوات ، حيث بدأت المكائد ضده من منافسين ، لصعوده السريع ولما قدّم من أفكار لتطوير العمل في الشركة ، ما اضطره لتركها ، ولحاق مجموعة من زملائه فيها به ، ليبدأ مرحلة تحدٍ حقيقي وربما مغامرة غير محسوبة بحسابات الربح والخسارة الآنية الميكانيكية ، وكان مكتبه ابتداء من صندوق سيارته ، إلى أن قدم له صديقه عبد العزيز الشخشير غرفة في مكتبه لممارسة عمله من خلالها ، وخلال تلك الفترة انضم اليه معظم زملائه ، رغم أنه لم يكن يمتلك دفع رواتبهم، وبفضل هذا التعاضد تمكنت شركة ابو غزاله وشركاه من الصمود والإقلاع.
ورغم حصول أبو غزاله على الجنسية الأردنية، وافتتاحه مكاتب لشركته في كل من لبنان والأردن، لم يغادر الكويت حيث يشعر " أن لها دين في عنقه بما منحته من الدعم والخبرة وقوة الأخلاق “، وطالما كان يقول: " فلسطين بلدي الأول وكل الوطن العربي بلدي الثاني، والحق أن للكويت، فضل علي لا يمكن وصفه، فقد وجدت في هذا البلد؛ الخير الكثير وفيه الخلق، وأكثر ما تعلمت أن الدنيا لمن له خلق، فمعدن الكويتيين طيب أصيل.
ويطلق ابو غزاله على الكويت مقولة " الحضن الدافئ " وقد عبر عن ذلك في حلقة حوارية قائلا " لو بقيت أتحدث على مدار 20 حلقة كيف أكرمني هذا البلد لن أوفيه حقه “.
ومن مآثر الكويت أنه عندما استكمل تأسيس " شركة طلال أبو غزاله للملكية الفكرية " سافر إلى واشنطن للحصول على تمثيل شركات عالمية لحماية علاماتها التجارية وحقوقها، وهناك قام بزيارة السفير الكويتي، سعادة الشيخ سالم صباح السالم، ابن الأمير صباح السالم الصباح، حيث بادر بتوجيه دعوة عشاء لأصحاب الشركات الأمريكية في منزله ، على شرف أبو غزاله ، وكانت هذه الدعوة بمثابة دعم ومفتاحٍ سحريٍ فتح الأبواب له ، مبديا امتنانه ازاء هذا الكرم منقطع النظير ، لكن السفير رد عليه " أنت بهذا العمل تخدم الكويت والكويتيين فأنت ابننا وشركتك كويتية وأنت تخدم بلدك " وكانت تلك هي انطلاقة أبوغزاله للملكية الفكرية، الشركة الأكبر والرائدة على مستوى العالم في مجالها.
ومن الشخصيات الكويتية الملهمة المؤثرة في حياة طلال ابو غزاله، وما قدمت من دعم؛ رئيس غرفة التجارة والصناعة في الكويت كان عبد العزيز حمد الصقر، والذي أصبح فيما بعد أول رئيس لمجلس الأمة الكويتي. لقد كان بمثابة الأب له، حيث تعلم منه الكثير، وتركت مواقفه آثارا طيبة في حياته ومسيرته وأكسبته خبرات في واسعة عمله.
وكان أول عمل حصلت عليه شركة أبوغزاله وشركاه للمحاسبة، تعيينه محاسبا قانونياً لغرفة التجارة والصناعة بتكليف من مجلسها بنا على طلب من العم الصقر.
وحيث كان للصقر مجلسا أسبوعياً يستقبل فيه كوكبة من الشخصيات، كان لطلال مقعدا على يمين الصقر في مجلسه هذا كل يوم إثنين.
وقد أسدى الصقر بنصيحة لطلال الذي شكا له تعرضه لحملات ظالمة من شركات عربية وأجنبية، فرد الصقر أن الناس لم تتفق على النبي محمد وتريد أن تتفق الناس عليك، في حين قال طلال " حاشا لله وأين أنا ومن أكون أنا، لا مجال للمقارنة.. “
واستكمل الصقر نصيحته، " إذا كنت مقتنعا بما تعمل، لا تبادل الهجوم بالسباب. لا تضيّع وقتك في الرد وطاقتك في الدفاع عن نفسك، تفرّغ لعملك ولبناء قدراتك وإحراز النجاح بذلك تنتصر على من يهاجمونك “.
يقول أبو غزاله في هذا الصدد، أن جوهر نصائح الصقر، " أن الناجح والمتفوق هو من يتعرض لحسد المنافسين ومكائدهم، وأنه في حال الانشغال بذلك سيضيع الإنسان؛ الكثير من الوقت والجهد في الرد، أو فإن عليه الجلوس في البيت والانطواء على الذات ".
وعليه فقد كرست نصائح الصقر لدى ابو غزاله جذوة الأمل وعشق العمل والتفوق والتطلع إلى تحقيق المزيد من الإنجازات باعتبارها الرد العملي الناجز للرد على مستهدفيه بالسوء.
وفي عام 1974 توجه طلال ابو غزاله ضمن وفد كويتي ضم كبار شخصيات ورجال أعمال كمستشار للوفد، ما أتاح له شرف اللقاء بأمير منطقة الرياض سلمان بن عبد العزيز (ملك السعودية حالياً) والذي أبدى إعجابه بأفكار أبوغزاله ودعاه للقاء به في مكتبه، وهكذا كان، ليطلب إليه فتح مكاتب لمجموعته في الرياض، ومقدما التسهيلات اللازمة.
وحيث شهد عام 1972، الانطلاقة الثانية لمجموعة أبوغزاله في الكويت.. شهد عام 1974 انطلاقة أخرى بافتتاح مكاتبها في الرياض " كما أسلفنا" وفي هذا الصدد يؤكد أبو غزاله أن مجموعته تعامل كمؤسسة وطنية في كل الدول العربية رغم انتشار مكاتبها في كثير من العواصم العالمية، كرجل قومي عربي منتمٍ لأمته العربية "مرتبط بقضاياها بحبل سري وثيق لا ينقطع باعتباره نعمة عظيمة أتاحت له المزيد من فرص التعلم والخبرة والحكمة “.
بكلمات يتمسك أبوغزاله بعروبته معتزاً بانتمائه القومي العربي، مؤكدا على جنسيته العربية، مشدداً على إيمانه بهذه الأمة العظيمة، ويسعده العمل ما وسعه الجهد لأجلها، ولإعادة بناء قدراتها واستعادة مكانتها في قيادة العالم.