20-حزيران-2023
"مجلس عالمي للحكماء والخبراء" صرخة ما قبل القيامة بقلم: غادا فؤاد السمّان
طلال أبوغزاله لا
يكتب رؤيته تِباعاً ليملأ الورق، ولا يدوّن هواجسه ليزاحم الفراغ، ولا يترجم
الوقائع منتظراً مكافأة من هنا أو هناك.. هو ابن المحاولة البار، ابن الاجتهاد
المتفوّق، ابن الضمير الخالص، ابن الإنسانيّه الغيّورة على إنسانيتها، ابن
الوطنيّه المخلصة لوطنيتها، ابن المجتمع الحريص على مجتمعه..
لهذا حين تقرأ
عباراته لا يسعك أن تقرأ على عجل، ولا أن تقرأ قراءة سطحيّة أو بصريّة، لأنّ
الجملة التي يسوقها في مقالاته، ليست مجرّد كلام على شرف الكلام، هي جملة التعبئة
العامّة، جملة إعلان النفير، لأنها غالباً ما تحمل نظرية، وتحمل قاعدة، وتحمل
خلاصة، وتحمل برهاناً، وتحمل وثائقَ، وتحمل مواقفَ، وتحمل توصياتٍ، وتصريحاتٍ،
وبياناتٍ، وتوعيةً مبكّرةً، لمن يحسن الإصغاء، إلى مدلول الكلام، ويجيد التأمّل الجيّد
في أبعاد كلّ ما يشير إليه..
لهذا تجد كل
مقالةٍ يكتبها أبوغزاله تستولد الكثير من المقالات لدى حَمَلَةِ الأقلام وأنا
منهم، فكلّما قرأتُ مقالاً وكتبتُ عنه، ظننتُ أنني أملك نقطة كبيرة لإغلاق السطور،
ولكن سرعان ما يتبيّن لي أنه يغرف من محيط نحتاج الكثير من المران الذهني والمرونة
الفكرية والمتابعة المعرفيّة لنحيطَ به..
ففي سياق مقال د.
أبوغزاله المعنون "الإعصار القادم" الذي سبق لي الكتابة عنه بالتركيز
على بعض النقاط الهامّة والهادفة استوقفتني وأنا أعيد قراءة المقال، ملاحظة قيّمة
وبمنتهى الأهمية، إذ يؤكد د. طلال على ضروة تحويل القلق السلبي المُحبط والمدمّر
أحياناً، إلى "قلق إيجابي" فعّال كمحفّز للتفكير، ودافع للعمل..
بالفعل فمن منّا
لا يعاني القلق العارض إن لم نقل القلق المزمن، وخاصّة أننا شعوب مأزومة على
الدوام، فما إن ننتهي من معضلة حتى ندخل في أخرى، على مختلف الصُعد سواءاً في
السياسة الخارجية، أو السياسة الداخلية، في الاقتصاد، في التعليم، في التربية، في
الطبابة، في العلاقات، ناهيك عن العداوات المتربّصة بأوطاننا كونها أرض الثروات،
التي نسمع بها فقط من خلال أطماع الأعداء بأوطاننا، وعند المهاترات التي تقع بين
مسؤولي البلاد الذين يتخبّطون في الفساد ويتمرّغون في الفضائح، والمُتاح الوحيد
لنا دائماً هو أن نتابع بصمت، ونتألّم في خَفَر.. وكل هذا يعتبر ولاشكّ مدعاة
حقيقيّة لتعزيز القلق لدى الجميع، حتى الأطفال "الخدّج" وهم يستنبطون
بإحساسهم الرهيف كل ما يعانيه الأهل من قلقٍ يتراكم ويتفاقم في مجتمعاتنا المهدّدة
بالانهيار فتراهم يدخلون في نوبات بكاء شديدة بالكاد تنتهي عندما ينهكهم التعب
والصراخ بعكس الكثير من الأهالي الذين يتوفّر لديهم الإستقرار النفسي والمادي، نجد
أطفالهم هادئة جداً وبالكاد نسمع لها صوت يُذكر.
لقد أصبح من
الطبيعي في مجتمعاتنا أن نشهد الكثير من الاستسلام، والإحباط المدمّر حيث يصل
بالكثير من الناس إلى حدّ الانتحار، وهذا صار سائداً بشكل متزايد وملحوظ في ظلّ
القهر، والظلم، والفقر، والبطالة، وانعدام الماء والكهرباء والبنزين والطبابة وحتى
رغيف الخبزوكافّة خدمات القطاع العام، لتغليب "مافيات" القطاع الخاص
بشكل سافر ومؤذي ومريب، ناهيك عن تردّي قطاعي التعليم والمصارف كما في لبنان
وسوريا والعراق واليمن وغيرهم..
كل هذه الأوضاع
وبأدقّ تفاصيلها يعرفها ويُدركها جيداً الدكتور طلال أبوغزاله وهو الذي خَبِرَها
شخصيّاً بعدما تضرّر وبشكل مفجع وموجع ومباشر بتجميد أمواله المنقولة إلى لبنان
والمودعة فيه باسم العلاقات الودّية التي تربطه بلبنان، وباسم الثقة التي يكنّها
له، ورغم كل ما ذكرت ظلّ الدكتور طلال يحذّر من القلق السلبي الذي يحاربه
بابتسامته الدائمة، ويكافحه بالعمل المتواصل، ويصدّه صدّاً جميلاً بتحويله إلى
قلقٍ إيجابيّ بنّاءٍ داعمٍ منشّطٍ ومحفّزٍ للاستمرار، والتخطّي بل القفز فوق أيّة
أزمة، بإيجاد الحلول والبحث عنها، وإن تعثّر فيمكن ابتكارها حسب رؤيته.. فالإنسان
صاحب القلق السلبي غالباً يخفي قلقه بقناع وخوف ورهبة وحذر وتوجّس..
بينما الإنسان
صاحب القلق الإيجابي دائماً يملك القناعة التي يدافع عنها، بحماسة وجهد وألق وزهو
وتوقّد وتوهّج، هذه المفارقة الشاسعة وهذا التباين الجلي لم يكن ليخطر ببال أحدنا،
حين كنّا نعيش مشاعرنا، ونحكم إغلاق الدائرة حولنا، لئلا يتسرّب من ملامحنا لون الحالة
النفسية التي تحكمنا، والتي وحسب الضغوط المستشرية، والظروف المستشرسه، والعتمة
الضارية، التي تَغرقُ فيها البلاد والعباد حتما هي بلون أسود قاتم..
مع ذلك يرفض
الدكتور طلال الوقع في التشاؤم، إذ يحضّ على المحاولة التي يمكننا فعلاً أن نرتقي
بأحزاننا إلى القلق الإيجابي الذي بوسعه أن يفتح لنا الكثير من الآفاق وخاصّة
عندما نجد أن الدكتور طلال يضع بين أيدينا "الحل الأنجع"، وهنا يتجلّى
دورنا ككتّاب ومثقّفين أن نكرّس مقترحه بتناوله في أحاديثنا العامة، ونتداوله
مراراً وتكراراً في كتاباتنا لتصل إلى أصحاب الشأن وأولياء القرار، حيث ينادي
الدكتور طلال وهو أول من قرأت له هذا المقترح "بضرورة أن يخضع العالم لحلٍّ
واحد وهو الديمقراطيّة على الكرة الأرضيّة (ديمقراطيّة على الصعيدين الوطني
المحلّي والعالمي)، أيّ أن يكون هناك نظام ديمقراطي عالمي يحترم استقلالية الدول
كما يحترم استقرار الشعوب، إذ أنّ كل دولة للأسف تحاول أن تدمّر غيرها.. فهذه
الفلسفة لا تنطبق فقط على هذا الشعب أو ذاك، بل على الدول جميعها في ظلّ غياب
العقلاء..".