01-آب-2007

طلال أبوغزاله مواطن فلسطيني صالح في زمن الفوضى غادا فؤاد السمّان

تجربة تلو الأخرى وتوثق الفصائل الفلسطينية في الداخل المحتل، فشلها في تعديل الصورة العامة بإزاحة السواد العارم الذي يكتنف مجمل ملامحها، إذ أنه ومنذ وصول حركة حماس إلى السلطة وشرارة الاقتتال الداخلي لم تنطفىء ولم تهدأ كما كان متوقعا ومأمولا من الحكمة والحنكة الرصينة المفترضة لحركة حماس بل على العكس تماما، حيث نتابع وإن على مضض تلك المرحلة الجديدة من المجانيّة النضالية المتعاقبة بين مناسبة وأخرى دخلتها حماس تباعا بكثير من الحسابات الباهتة التي تفتقر إلى الحجّة مرارا، وتتناقض في البراهين في عموم المشهد الذي صعقنا مؤخّرا لدى إحياء الذكرى الثالثة لرحيل الرئيس الفلسطيني السابق "ياسر عرفات" وقد تحوّل إلى يوم مأساوي جديد في تاريخ الذاكرة الفلسطينية، التي لا تكلّ من تسجيل نكباتها وانتكاساتها على مدار الأحداث، لم يكن آخرها اليوم "الفتحاوي" المدوّن بعدسات التصوير والذخيرة الحيّة والمواقف العشوائية والرصاص الطائش، ومن اللافت أنّ العداوة الخالصة التي تختزنها العقيدة "الحماسويّة" لم تعد تقتصر توجهاتها باتّجاه الدولة الإسرائيلية، بل صارت ربما بـ"سبطانة" مزدوجة، وبذات العيار الثقيل لتوجّه بالتزامن، وأحيانا بالتفاضل إلى الدولة الفلسطينية الموعودة والمتمثلة قيادة وحضورا بـ"محمود عباس" أبو مازن، هذا الساعي أبدا لفتح ثغرة في جدار العزل الفاصل بين جميع الأطراف المتحجّرة حليفة كانت أم معادية، وبتفاؤل ملحوظ آخره كان الالتحاق الفوري بركب الواصلين إلى مؤتمر "أنابوليس" ملبيا الدعوة دون تردد على غرار بعض الدول العربية التي سجّلت "تناقضات" صارخة في الموقف وما ترتّب عليه من بيانات وتصاريح، وكما هو واضح أنّ عبّاس يحاول أن يتلمّس بدافع الثقة أولا، وبدافع حسن النوايا دائما أي بصيص لإنشاء الدولة الفلسطينية وإن بشروط لا يُمكن أن تحظى برضى كافة الأطراف المعنية بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو الصراع العربي الإسرائيلي.

ولعل استعراض الأزمة الفلسطينية سواء الراهن منها أو المزمن فيها، يحتاج إلى مساحات شاسعة وصفحات لا محدودة، قد لا يُمكن بالنتيجة أن توصل إلى منطق يضيف إلى واقع الأزمة شيئا يذكر، هكذا الحال وفلسطين تتصدّر دائما النشرات الإخبارية المفصّلة والموجزة برتابة يومية لا بدّ منها تخطف أبصارنا مرّة، وتزهق أنفاسنا أخرى، وفي الوقت الذي نظنّ فيه أنّ البيّارات الفلسطينية قد عدمت القدرة على الإنجاب تباغتنا شخصية فلسطينية تستطيع أن تحوّل زاوية الرؤية من أقصاها إلى أقصاها، لتشكل بالتالي معادلا تفاؤليا أنّ الإيجابية الفلسطينية لا تقتصر على إرادة الأطراف الثورية المتنازعة بالسلاح وحسب بمبررٍ أو بدون، إذ أنه ثمّة شخصية فلسطينية مبشّرة بثورة تلو الثورة ولكن بإطار مختلف وبأشكال مغايرة، أذكر قبل عقد من الزمن أنني دُعيت إلى محاضرة في قاعة الجامعة الأمريكية بعنوان "ثورة الاتصالات" كان المتحدّث فيها السيد "طلال أبو غزالة" وهو واحد من الشخصيات الفلسطينية الطموحة جدا والتي استطاعت أن تثبت حضورها في العديد العديد من المحافل الدولية إن على صعيد النظرية أو على صعيد التطبيق، اذكر في تلك المحاضرة تكرار كلمة "الثورة" والتأكيد المتواصل على قدومها العاجل، ودخولها النهائي حيّز اهتماماتنا دون استثناء، بل وحصولها القطعي كنتيجة حتمية وضرورة عصرية ملحّة، ولا أخفي في تلك الآونة جموحي التام في إطار تلك المفردة "الثورة" والتي كانت بحدّ ذاتها مطلق مفهوم يختزل لي كما لغيري مجمل تطلعاتنا الإنسانية جملة وتفصيلا إلى درجة التحيّز إن لم أقل التماهي الكامل، وقد استحوذ على جملتي العصبية ومنظومتي الفكرية كنه ومضمون تلك المفردة بدرجة هائلة، وخلت أنّ جيفارا سيبعث من جديد على أبواب أحلامنا الموصدة بالصدأ والخيبات المتراكمة، تحدث السيد أبو غزالة في تلك المحاضرة كمبشّر وكقائد وكقديس عن "ثورة الاتصالات" التي انجرفنا فيما بعد عبر تياراتها الأثيرية والافتراضية تحت العنوان العريض لثورة الاتصالات التي تجلّت بـ"الأنترنيت"، بكامل ما تبقى فينا من عقائد ثورية، نسينا في غمارها معظم ثوراتنا المؤجلة لقضايا المصيرية المعلّقة على مشاجب التبرير الأجوف، البارحة أطلّ السيد طلال أبو غزالة وبابتسامته الجذابة والواثقة بامتياز من خلال الشاشة الصغيرة لإحدى الفضائيات العربية الساكنة فعلا والمتحركة اسما، ليبشرنا بثورة جديدة وبصفة حصرية كونه أصبح / نائب رئيس الأمم المتحدة لشؤون الميثاق الدولي / وبالتأكيد لن يكون هذا المنصب آخر طموحات أبو غزالة، هذا الفلسطيني الذي خرج من يافا بعد الاحتلال، ليجعل كل المساحات التي يجوبها بيارات طموح وأمل وثورات متعاقبة، الثورة الجديدة التي لفتتني، والتي حمل شعارها السيد أبو غزالة هي "الثورة في الثروة" مع الأخذ بعين الاعتبار فتور وقع هذه المفردة على منظومتي الفكرية التي كانت تتأجج فيما مضى وتشتعل للخوض في كافة احتمالاتها، غير عابئة بمؤيد أو بمعارض، اليوم وبعد خواء التجارب الثورية في المنطقة العربية وتحديدا بعد "1967"، أصبح مفهوم الثورة بحاجة إلى المشاركة مع الغير كنوع من الهروب إلى الأمام خشية اشتعال اللهفة الهامدة فينا لمفهوم الثورة ومنطلقاتها بشكل تلقائي لم يعد مألوفا لدينا، الجديد في ثورة طلال أبو غزالة أنه يسعى إلى إعادة تأهيل المواطن العربي، بصفته مواطنا سلبيا ليصير مواطنا صالحا وذلك حسب برنامج الأمم المتحدة الذي يقترحه السيد أبو غزالة والذي أشرف على إعداده بصفته نائب الرئيس، مبتدئا المشروع بتأهيله الذاتي الذي نجح في إصدار شهادة حسن السير والسلوك بحق نفسه معتبرا شخصه "مواطنا صالحا" أعلنها بتفاخر وغبطة عبر الشاشة الصغيرة، وهذا بحد ذاته مدعاة للتفاؤل بمفهوم الثورة الجديدة المعنونة "الثورة في الثروة" لكل المواطنين في العالم العربي الذين سيعاد تأهيلهم ليكونوا مواطنين صالحين على المدى المنظور، السرّ في هذه الثورة الجديدة، هو تسخير رأس المال في شركات القطاع الخاص لرأب الصدع القائم بين المواطن والقطاع العام الذي تشغله الدول والحكومات عادة، بفتح الأبواب لازدهار مشاريع القطاع الخاص التي سيفيض عن ميزانيتها العامة مالا جديدا، سيتيح الفرصة بتدوير رأس المال لصالح المواطن بصورة مثالية، قد تتحقق بموجبه المدينة الفاضلة التي أرادها أفلاطون يوما. ومن يؤمن بالتقمص بمستطاعه أن يُطلق ودون تردد اسم "أفلاطون أبو غزالة" على ذلك اللقاء الذي استثمر كافة حروف "السين" لاستعراض المشاريع بتسويفٍ محتمل إن لم أقل مؤكّدا من قبل السيد أبو غزالة، أذكر على سبيل المثال لا الحصر:

ستشهد السنوات العشر القادمة ازدهارا اقتصاديا هائلا، سيدحض كل المزاعم القائلة بإرباك المنطقة.
ستنهض مجموعة من الشركات بمشاريع عملاقة بالمليارات، ستدعم القطاع العام، وستؤدي مهام جمّة.
ثمّة خدمات عامة ستتوجّه للاستثمار وإقامة المشاريع، ستظهر بأشكال عدّة.
سيفتح مجالا واسعا بين الشركات الاقتصادية الضخمة والمجتمعات المدنية العامة.
ستفتح أبواب التوظيف والتشغيل والتأهيل على أوسع نطاق.
سيوضع في الاعتبار الأول مصلحة الفرد لضمان تحويله إلى مواطن صالح، بالتعاون مع فعاليات مختلفة أهمها حقوق الإنسان.

من جهتي وبصفتي مواطنة من الدرجة المنسية، أتقدّم لبرنامج الأمم المتحدة بطلب انتساب لإعادة التأهيل، شرط أن يكون تأهيلا مسؤولا وواعيا ومُدركا وملتزما، بكرامة المواطن وتأمين متطلبات العيش الكريم، فما فائدة المواطن الصالح في وطن فاسد وزمن مستحيل؟...