19-كانون الثاني-2022
قالها أبوغزاله "أميركا فعلتها".. ماذا ننتظر؟! غادا فؤاد السمّان - بيروت
"إذا
أميركا فعلتها فالأحرى بنا أن نفعلها" عنوانٌ صريح وواضح ولمّاح، عنوانٌ
منطقيّ وموضوعيّ وآسر، عنوانٌ واقعيّ وبنّاء وهادف..
هكذا اعتاد مؤسس مجموعة "طلال أبوغزاله العالميّة" أن يقدّم
لقرّاءهِ الرأي الفاعل ووجهة النظر المحفّزة، والباعثة، والمحرّضة، اعتاد أن يقدّم
الفكرة، والدافع، والمفتاح، والضوء، والدريئة، والدرب، والمثال الأمثل، والمنال
والمأمول والمُرتجى.. ففي الوقت الذي صدر فيه مؤخّراً عن الرئيس الأميركي دراسة
شاملة تتضمّن قانوناً لمواجهة التضخّم الاقتصادي لحماية صناعاتهم الوطنية بتقديم
الدعم الكامل والشامل للشركات، والمعامل، والمصانع، وذلك بهدف الصمود المحلّي،
مقابل السلع المستوردة التي بدأت تزاحم السوق المحليّة فعليّاً، وتكتسحها بشتّى
الطرق والوسائل والأساليب، الأمر الذي جعل الرئيس الأميركي "جو بايدن"
يتنبّه، والإدارة الأميركية إلى مخاطر التسليم، والتسيّب بفتح باب الإستيراد على
غاربه، وإغراق الأسواق الأميريكيّة بالبضائع المستوردة الدخيلة، والتي بوسعها أن
تحلّ محلّ النِتَاجات المحليّة، فتَتَسبّب بالعرقلة والتعطيل لكثير من مفاصل
الحركة الصناعيّة في الولايات المتّحدة، وتعيق حركة النموّ الإقتصادي بإعاقاتٍ
ملموسةٍ..
فجاءتْ الدراسة التي أُعدّت لهذا الغرض أشبهُ بكتابٍ متكاملٍ، وقد ناهزت
صفحاتها ال (184) صفحة، وأهم ما يمكن الوقوف عنده هو ما وَرَدَ في سياق تلك
الدراسة الجادّة، بأهميّة التركيز على دعم الصناعات المحليّة لتأمين فرص العمل،
ودعم اليد العاملة، والوقوف مع أصحاب رأس المال، والبحث المتواصل عن المواهب
الشابّة الجديدة للمصمّمين والمبتكرين والمبدعين، ناهيك عن الأهم والأهم وهو حثّ
الخطى نحو بيئة نظيفة وسليمة، للحدّ من التلوّث الذي طال المناخ، وبدأ يدمّر أسس
التوازن البيئي، ويطيح بأمن منظومة الطقس، حيث لم تعد آثار الخلل السلبيّة خافية
على أحد، بل نشهدها تباعاً كيف تتفاقم بين عام وعام وموسم وآخر على امتداد القارات
والدول..
الحديث عن تلك الدراسة الشاملة يمكن أن يطول ويطول، لكنّ الدكتور طلال
أبوغزاله لم يقرأها لمجرّد الإطلاع بنهمٍ، وشغفٍ، وحسرةٍ ربّما، بل قرأها
ليَستَوْلِدَ منها وثيقة جديدة يضيفُ إليها رؤيته وقناعته وخبرته، بعدما تناهى إلى
سمعه بعض الأصوات الجهوريّة من أصوات أصحاب القرار، وذلك بضرورة إيلاء الشركات
"الأجنبية" الإهتمام، والإحتفاء، والأولوية في دعم الإستيراد لتزويد
السوق المحلية بكلّ ما يلزم..
صحيح أنّ من حقّ المواطن أن يجد كامل احتياجاته من السلع المطلوبة، لكن
لماذا توفير المواد يكون من خلال الوارد والمُستوْرَد فقط، ما الذي يمنعنا من وضع
خطط لجدوى اقتصادية جديدة؟!..
لماذا لا نفتح أبواب الانتساب للمواهب الوطنية الموهوبة الفاعلة
المُعطاءة؟!..
كم من الطاقات الشابّة الهائلة نخسرها يوميّاً، في ظلّ انعدام الفرص، لعدم
توفير المشاريع الهامّة والضرورية واللازمة لاستثمار اليد العاملة؟!
جميعنا يعلم ولا يخفى على أحد ما تعانية الميزانيّة العامّة من إرباك وعجز،
فكيف يكون الحل بوضع سلّم الأولويات بدعم الاستيراد والحفاظ على توطيد العلاقات مع
الشركات الأجنبيّة الكبرى ؟!..
أيّ منطق، وأيّ عقل، وأي فكر اقتصادي يقبل أن ننظر بعين واحدة، بضرورة
الإستناد إلى الخارج، مقابل تجميد كل الإمكانيات الذاتيّة المحليّة والمنطقة
العربيّة تكتظّ بنسبةٍ عاليةٍ جداً من الدارسين والمتعلمين والكفاءات العلميّة
والطاقات الشبابيّة الهائلة؟!
هكذا بدت صيغة الخطاب الذي خطّه د. أبوغزاله في مقاله الرائد والأول من
نوعه "إذا أميركا فعلتها فالأحرى بنا أن نفعلها" والذي انتشر في العديد
العديد من المواقع والصحف والمجلات وصفحات التواصل، وحصد النسب العالية جداً من
تسجيل الإعجاب والتعليقات التفاعليّة، لدى المتابعين كالعادة، والذي يزخر بثلاث
عشرة حقيقة كملخّص عن الدراسة الأميركية الطويلة ككلّ، ويكتنز بثلاث عشرة توصية من
توصيات المفكّر الخبير المعلّم أبوغزاله نقتف من سياقاتها الأثيرة مايلي
:"إذا كانت الولايات المتّحدة الأميركيّة، بعظمتها تتصرّف حمائيّاً للحفاظ
على مصالحها، فتتجاهل عقوداً من الشراكات مع أقرب الدول والأصدقاء والحلفاء
والتابعين، أليس من الأولى بالدول المهمّشة أن تقوم بتصرّف مشابه؟!
ويتابع.. أليس من حقّ بل من واجب الدول والقوى والتكتلات المنافسه، للقيادة
الأميركية أن تمنح مصالحها الاستراتيجيّة، الأولويّة بالمقابل؟!
وينهي الفقرة (11) بالقول: خاصّة وأنّ العالم يرى ظُلْمَ ما يُمارسه الغرب
بقيادة الولايات المتّحدة على مستوى العالم؟!
وبالإذن من المفكّر الكبير أبوغزاله أضيفُ همسةً صغيرة، الظلم الذي يقع على
عالمنا نحن فقط، عالم "الربيع العربي" عالم المؤامرة الكبرى والخديعة
الأكبر، عالم الشتات منذ نكبة فلسطين إلى الفساد المستشري والذي يساهم في تعزيز
مراكب الموت في عرض البحار هرباً من الموت قهراً وكمداً وأحزان شتّى.
طبعاً هذه الإضافة وفقَ رؤية أبوغزاله يعتبرها إضافة سلبيّة بامتياز بحقّ
المنطقة العربيّة مهما بلغت درجة واقعيّتها، لأنه يفضّل تجاوز أيّ أزمة مهما
استفحلتْ، ويحرص دائماً أن يُطلِقَ العنان لرؤيته إلى أبلغ ما يمكن من الإيجابيّة،
فبتقديره أنّ بلاد العرب كل العرب وطنه الحبيب ووطنه الواحد ووطنه الشامل ووطنه
المتكامل ببعضه البعض ووطنه المعنى والمبنى والانتماء، هو أرض خصبة للحيويّة المتجدّدة
والنشاط الهادر، بعكس القارّة الأوربيّة التي تعاني من فقدان التجدّد بحكم
افتقارها للعناصر الشابّة..
وبتقدير أبوغزاله الذي لايكلّ من الحضّ ولا يملّ من التفاؤل أنه قد آن الأوان
بإزاحة الغلالة عن أعيننا، لإعلان النفير بوجوب إيجاد مشاريع وطنيّة على مستوى الأقطار
ككلّ، توفّر العمل للجميع للعيش بكرامة وبحبوحه أيضاً، فقد بلغت البطالة حدّها
المُقْلِق، ولابدّ من الاعتراف بأنّ تهميش الطاقات الشبابيّة إذا لم يكن إزهاقاً
لروح المستقبل، فهو حتماً الإستنزاف العلني للثروات العربيّة الأهمّ..
وفي مقام آخر لمقال متزامن، نقرأ كم يتمنّى هذا المواطن العربي الأصيل ومن
كلّ قلبه لو أنّ أكاديميّة الابتكار والإبداع والتميّز في مجموعة
"أبوغزاله" قادرة على استيعاب جميع الطاقات الذكيّة الهائلة.. والتي يشهد
ويقرّ بتميّزها ومَلُكاتِها ومواهبها القيّمة جداً، ولو كان في وسعه استقطاب
الجميع لما تردّد في استقطابهم واستيعابهم رغم حرصه على افتتاح الفروع للجامعة إلى
جانب الأصول من المقرّات الرئيسيّة،.. ولكنّ يداً واحدة لا تكفي لهذا هو يناشد دائماً
أصحاب القرار أن يضعوا نصب أعينهم ضرورة إعادة الإعتبار للملفّ الإقتصادي، بتحديث
جميع الخطط أولاً، فالنُظُم لم تعد تنتمي إلى الأمس البعيد، ولا حتى إلى الأمس
القريب، وجميع الإدارات العربيّة ملزمة كما معظم دول الخليج التي تنبّهت باكراً
إلى ضرورة التغيير والإصلاح بأن تنتمي إلى الغد، كي لا تراوح الأوطان مكانها كما
بلاد الشام دون حولٍ أو قوّة إلا قوّة الفساد الهدر واللامبالاة..
وكما يؤكد أبوغزاله في مجمل ما يكتب، وما يعلن، وما يصرّح، بأنه علينا أن
نستيقظ من غفوة الاستقرار الواهم، علينا أن ندقّ ناقوس الخطر للنهوض من الأزمات
المتراكمة، بوضع استراتيجيات ومناهج وخطط اقتصادية وأولويات جديدة، إذ ثمّة أجيال
تكنولوجيّة تنمو بسرعة يصعب علينا اللحاق بها لو تجاهلناها أكثر من ذلك، وهي تساهم
دون ريب في تطوير جميع مفاصل المجتمعات، لكنها تكاد تتجاوزنا حتماً، طالما كنّا
مقتنعين بالاتّكال على الآخر ليخترع، ويبتكر، ويصنّع، ويصدّر، ونحن مكتوفي الأيدي..
لكنّ أبوغزاله لم يقف كغيره مكتوف الأيدي بل مدّ كلتا يديه للجيل الصاعد
وأنشأَ بثقة ويقين معامل لتصنيع الأجهزة الألكترونية المنافسة، في كلٍ من الأردن
الشقيق ومصر الحبيبة وغداً في سوريّة الجريحة ومن يعلم ربما على سكّة إرادته يضع
لبنان المهيض في عين الإعتبار..
إنه أبوغزاله رجل المستقبل القادم من الغد، والمتأصّل بأصالة الأمس، ربما يوقن
أنّ الأردن يفتقر إلى الثروات الباطنية، لكنه يثق بأنّ الأردن كسائر بلاد الشام غنيّ
قطعاً بالثروة البشريّة وأكرّر الشباب من وجهة نظره هم ثروة حقيقيّة وهذه ميزة هذه
المنطقة رغم كل من هاجر وابتعد وخرج منها، إلا أنها بلاد ولّادة لا تخلو ولن تخلو
من الثروة الشبابيّة الحيويّة، التي لا يجوز هدرها بالإهمال والتهميش، ولا بدّ من
الالتفات إليها، واستثمارها بما يخدم أحلامها وأحلام الأوطان من خلالها، ويحقّق
طموحاتها وآمالها، وبالتالي يعزّز من بناء الوطن الكبير المأمول، ويمتّن أركانه،
ويقوّي ركائزه، ويدعّم أرجاءه، ويضمن استقراره، ورخاءه، وازدهاره، وعزّته، التي تشغلنا
جميعاً.