29-تشرين الثاني-2021

لم يكن طلال أبوغزاله شخصاً عاديًا .. من علَّمك يا معلمي؟

د. مشيرة عنيزات
29-11-2021

إن السفن العملاقة لم تُصنع عبثًا، فالنظر اليها وهي تبحر يثير في ذهنك مئات الأسئلة، كيف لها أن تبحر بهدوء وأمان في بحر متقلب الأمواج، تارة يخدعك هدوء هذا البحر فتشعر بالراحة، وتارة يقلبك رأسًا على عقب، لتضع يدك على قلبك وتحسب الدقائق والساعات لتصل الى الشاطئ وبر الامان.

كيف لربان سفينة أن ينعم بهدوء وهو يقود سفينة ضخمه تحمل داخلها مئات والاف الأرواح التي لا تملك سوى الدعاء له بالقوة لينجو بهم ويضعهم على بداية الشاطئ لينطلقوا ممتنين لهم بنجاتهم.

أنه طلال أبوغزاله ربان السفينة، الذي ينهض من فراشه صباحًا، ليباشر العلم والعمل دون أن يظهر أسفل عينيه أو على ملامح وجهه أرق الليل، فتراه يبتسم للمارة ويلوح لهم بيديه فيبادلوه الابتسامه والتلويح، فيعلمهم أن لنهوضك من نومك وابتسامتك "هدف"، وأن الحظ في حياتك هو صدفة فقط، وأن عملك هو ما يجب أن تملئ به وعاءك كل يوم، وإلّا سيبقى فارغًا لا قيمه له.

يقول طلال أبوغزاله: "لم تصنع السفن لتبقى على الشاطئ، حتى ولو كانت اّمنه. إن سر العمل في الإبحار".

ان سياسته المغامرة والخروج عن المألوف، فتعامله مع الجميع كمن يزرع شجرًا، في يمينه فأسًا وفي شماله يحمل ماءً، يقلبه ويسقيه ويرويه ويشبعه علمًا ومعرفة وثقة، من يبقى سيثمر وسيجني ثمار عمله، ومن سقط ويبس ولم يتعلم لن يعود. يعطيك مساحة لتبحر وتبدع وتكون خلاقًا، ولكنه لا يجبرك على الإبحار، بل يترك لك طريقة الإبحار التي تريد ولكنه بالرغم من ذلك.. لا يتركك، يراقبك عن بعد ويتتبع خطواتك، ويذكرك دائمًا.. أن من علمك ...أفهَمَك.. وكسبته وكسبك. فيجعلك تبحث عن الهدف وتركض خلف حلمك، فتبتسم من قلبك لأنه قسى عليك ووقف معك ووقف جانبك، علمَك وادّبك.. حين لانَت سواعد الآخرين والتفت وجوههم عنك عندما احتجتهم؛ فتشعر باطمئنان كمن يضع عطرًا غالي الثمن ويشتمه بين الحين والأخر ليطمئن أن رائحته ما زالت عالقة.

كلامه قليل.. أفعاله كثيرة، فصنع هويته المهنية بامتياز والتي دائمًا ما يكرر أنها الأهم من المؤهل العلمي، فكم من ناجح أكاديميًا وعلميًا ولكنه فشل مهنيًا. إنها الحكمة التي يقيس بها الأمور بنضوج ورجاحة عقل جعلته أن يكون مستمتعًا في الصمت أكثر منه متكلمًا، فلا ينطق إلا بالمفيد ويترفع عن الرد على توافه الأمور التي تأخذ من وقته وتشغله. إنّه يقينه الذي يجعله كلما ازداد علمًا كلما قلت رغبته بأي حديثٍ خارج العمل، لأنه يعتبر انه مسؤول عن كل ما يقول ويعي تمامًا الفرق بين العلم والعمل والانضباط، فالعمل لدية متعه لا يشعر بثقله.. ولو كان ذلك... فهو لا يُشعر من حوله، كلماته المتناثرة دائمًا فواحه أثرها ظاهر ومصدرها دائم ينشرها أينما حل.

إنه يوبيلك الذهبي، الذي اثبت به للجميع أن معيارك للأفضل هو "العمل"، وهو الذي أظهر المفارقات بين العلم والجهل والثبات والانحراف وبين الحقيقة  والحلم وبين التقدم والتأخر وبين النهوض والكسل. عملت واخلصت، وضعت ابجديات التفاني نصب ناظريك، وكنت على ثقه أن عملك من سيخبر الناس عنك. أجدت العزف على أوتار الإنسانية، كنت وما زلت غنيًا في طاقتك التعبيرية، كنا وما زلنا معك ففزنا فوزًا عظيماً، فأصبح الوقت في نظرنا ثراء، نسترقه سرقةً بحكم أن النهاية كالبداية.. تستحق.

علمتنا في يويبلك الذهبي أن لكل شيء ثقافة، للربح ثقافة وللخسارة أيضا ثقافة، فتقبل الخسارة والتعلم منها للتحسين واستغلالها لتحسين الأخطاء يعني محاولات متكررة وحروب تلو الأخرى وتجارب تلو التجارب لكي لا تستسلم.

علمتنا أن الجبناء لا يتقنون فن الحروب وأن الهزيمة والمحاولة والتجارب تجعل منك شجاعًا، دخلنا بيتك اّمنين بسلام، لمسنا النجاح على يديك، قدتنا إلى بر الأمان، فمبارك عليك اليوبيل الذهبي ومبارك علينا أنت اباً، ومعلماً، وقائداً يحتذى به.

واختم بقوله تعالى "ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عندك وزرك"، لما نشعر به من الطمأنينة عندما ندخل بيتك وبيتك الذي ندخله بأمان واطمئنان كل يوم لنتعلم منك شيئا جديدا.

اثبت للجميع في يوبيلك الذهبي أن السفن لم تصنع لتبقى على الشاطئ. بوركت لنا، وبوركت جهودك وجعل الله ما تقوم به من عمل لصالح المجتمعات بأكملها في ميزان حسناتك، وفي افواه الداعين لك بالخير والبركة.