د. مشيرة عنيزات
26-01-2021
إنّ من نظريات التّعلّم النّظرية الفطرية التي تعنى بتعليم الطّفل في مراحله العمرية الأولى.. فيتعلم كيف يهتدي عبر لغته الأم إلى المعرفة.. ويكتشف رويدًا رويدًا ما حوله بالفطرة؛ لأن حب التعلم يولد بالفطرة ويبدأ بالبحث عن الأسماء، وليس بالتّلقين.
يجد المتعمق في نظريات التعلم والتعليم أن العلماء رفضوا النظرية الفطرية في التعلم؛ لأنّ الفطرة لا تُعلّم كلّ شيء، بل تختص بالتّعلّم في فترة معينة من فترات الطفولة فقط، ولقد رفض العلماء نظريات التعليم البيئية والسلوكية؛ لأنهما ينتميان إلى مراحل معينة.. ويؤديان دورهما ضمن حدود معينة.
أما النظرية الأكثر شيوعًا وتقبلًا فهي نظرية (المثاقفة والتفاعلية)، تلك التي يطلق عليها طلال أبوغزاله "التّعلّم الجيّد" والتي يريدها أن تلبّي حاجات الجميع، ويشترط لها كي تحقق التفاعلية والتثاقفية أن تكون "ذات جودة".
ينبني التعلم على أساس بحثيّ وابتكاريّ، ولا ينبنى على أساس تلقيني، ولا على موقف مثير واستجابة من الطرف المقابل، وهو ما يسمى بالتعلم الشرطي، فحسب! لأنّ التّعلّم "حالة من التمرين المتقن المحاكي لسلسلة مثيرات شرطية تتقدم بشكل يناسب المتعلّم وفق ضوابط خارجية قادرة على إنجاز المطلوب وتُبقي الذّهن في نشاطه المستمر".
وهذا هو تعريف مستنبط من مجمل ما قدمته النظريات التفاعلية التثاقفية.. وما يقوله طلال أبوغزاله في التعلم ذاك الذي ينبني على اعتماد مناهج تجريبية مخبرية الطابع تؤهّل المتعلمين إلى "فكر علمي عملي مبرمج نحو الابتكار لا التلقين"؟.
وتقول ماريا مونتيسوري مؤسسة "منهج مونتيسوري" لتعليم الأطفال: "يجب أن يكون هدف التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة هو تنشيط رغبة الطفل الطبيعية في التعلم، وليس إكراهه على التعلم".
كلنا يؤمن بأهمية التعلم والتعليم، ولكننا نبحث عن طريقة التعليم الأكثر ملاءمة لإيجاد جيل من المبتكرين الذي يؤمّنون لجيلهم العيش الرّغِد، ويؤهلون أجيالا تتبعهم لما يسعدهم.
يقول طلال أبوغزاله "أنا ضد شعار التعليم للجميع، وما أنادي به هو: التّعلّم ذو الجودة للجميع".
فلا يكفي أن يتوفر التعليم وأن يخلو من الجودة، ولا تتحقق الجودة إلا بوجود بنية تحتية تضمن له ذلك، وعلينا تغيير الأساليب، والأدوات التعليمية التقليدية، وإدخال أنظمة التعلم النشط المعروف بالتعلم من خلال اللعب والتسلية، وعلينا تطبيق أنظمة تفسح المجال أمام الطلبة للاستكشاف والاستدلال، وأخيرًا علينا رفع شعار أن يكون التّعلم بالحبّ ومع الحبّ ومن أجل الحبّ "كما قال طلال أبوغزاله".
ويقول طلال أبوغزاله: "نحن في عصر المعرفة، وهذا العصر له معايير مختلفة للثروة.. لأن إتقان المعرفة يؤدي إلى صنع ثروة".. ولا تحتاج المعرفة سوى جيلٍ من المتعلمين المعرفيين.. وإن التعليم التقليدي لا يصنع هذا الجيل لأنه لا يضع فروقا بين طالب وآخر، وهذا من الخطأ؛ فما يصلح لزيد قد لا يصلح لعمرو، كما أن علينا تغيير ثقافة المجتمع التي تؤثر في اختيارات الطلبة لما سيتعلمونه من أجل أن يختاروا ما يخدم الأمة ومستقبلها لا ما يشير إلى منزلتهم الاجتماعية فقط!
ومن الأمور التقليدية التي يجب تغييرها أن تبقى حاجتنا إلى التعليم مربوطة بالشهادة فقط! أو التعيين! فعلينا التأسيس لبث فكرة "أنّ التّعليم من أجل التّعلّم فقط".
إن التّعلّم يقود العقل إلى الحرية؛ ويمنحه الفرصة الكبرى للبحث والتّحريّ، ويخرجه من التقييد المبرمج عبر مقررات وحصص وتراكمات قد "لا تُسمن ولا تُغني من جوع"... وقد لا يستفاد منها سوى حفظ معلومات من أجل اجتياز أسئلة امتحان مفروض دون تلمس أي تخطيط بنائي لما سيفيد حفظ هذه المعلومة في القادم من الأيام!