13-كانون الأول-2021
المَعرفة.. الثّورة الأغْلى
د.عماد الخطيب
من بين الثّورات
الهدّامة.. ثمة ثورة من نمط آخر، لا تهدِم.. إنّما تبني، وتُنشئ ثروات.. إنّها
(ثورة المعرفة). فما هي المعرفة؟ وما أدواتها؟ وما الغرض المستفاد من تتبّعها؟
المعرفة هي الأداة
الأكثر تأثيرًا في العالم، وهي ليست كأي ثورة سبقتها.. أمّا مفهومها، فيعتمد على
كونها "ثورة" ولكنها ثورة إيجابيّة "تتعلق بكل ما تستخدمه التكنولوجيا
الرّقميّة، أو تُستخدم له"، وبتعبير أوسع: "هي الثورة التي أنتجتها تقنية
المعلومات، أو تُنتِجُ لأجلها أدوات ما كان لها أن تكون حقيقة لولاها".
المعرفة
مصطلح عام لكل ما هو ذكيّ في عالمنا، ولكلّ ما يسير بالذّكاء التّقنيّ (AI)؛ فكلّ ما في الدنيا –كبيرًا كان أم صغيرًا-
يصنعه الذّكاء، ويُصنَع بالذّكاء، وتستخدمه العقول الذكية في مسرح حياتها، ولن
يبقى غير الذّكاء الذي يقوده الأذكياء في مستقبلنا القادم "عِلمًا معرفيًّا
ذا قيمة".
إنّ كلّ علوم
الدّنيا اليوم تستفيد من "تكنولوجيا الذّكاء الرّقميّ" في عصر المعرفة، وقد
أحكمت التّكنولوجيا قبضتها على العلوم، وما يَنتجُ عنها.. وكما قادت "أجهزة
الذّكاء الرّقميّة" العالم، يقود الجهاز العصبيّ جسم الإنسان!
ويعلمنا طلال
أبوغزاله أنّ المعرفة ليست هي ما تحتويه الكتب من معلومات، فتلك مادة للعلوم،
وتحتاج إلى المعرفة من أجل إدارتها، والاستفادة منها، ودون ذلك ستبقى مواد
وأهميتها تكمون في كونها "بها يُتعلّم"؛ فثمة "مادة نظريّة للفيزياء"،
وثمة "معرفة عمليّة للفيزياء"، بها نصنع الصّاروخ، ونطوّر المركبات، وثمّة
"مادة نظريّة للأحياء"، وثمة "معرفة عمليّة للأحياء" بها
نختبر الجينات، ونُقدّر المفيد منها أو الضّار.. إلى غير ذلك.. وهذا ميدانه
المعرفة، وليس كتاب المادة!
فإلى متى ستتصاعد
منتجات ثورة المعرفة؟
أظن بأنها ستستمر
إلى نهاية هذا القرن 2030
أما أهم ما
صنعته هذه الثورة المعرفية، مما لم نشهد مثيلا في التاريخ، فهو أنّها ساوت بين
قيمة العلوم كلّها؛ لأنّه لا قيمة لأيّ علم دونها، فالزمان قد تغير؛ إذ ستتفوق الثورة
المعرفية على أيّ معلومة تتعلّمها في أيّ مادة عُلوم كنتَ قد تعلّمتها، وهي ليست
كالثورة الزّراعيّة مثلا التي أعلت من شأن الزّراعة، وما ينتمي إليها، ولكنّها "ثورة
الثّورات"، كما يمكن أن نسمّيها، والثورة التي ستعيش فترة أطول من باقي الثّورات
التي مرّت على العالم.
ولا يعلم أحد
أو يستطيع أن يتكهّن عن شكل الثّورة التّابعة لثورة المعرفة، أثمّة ما ينتظرنا؟ هل
بقي أكثر مما شاهدناه اليوم؟ بعد أن باتت الأحلام حقائق، والخيالات واقعًا، فماذا
بعد!
ويعلمنا طلال
أبوغزاله أنه من أجل التّجهيز لما هو قادم.. واستشراف المستقبل.. علينا تصحيح مُسمّيات
"مراكز الأبحاث" لتصبح "مراكز للابتكار"؛ لأننا في زمن
الابتكار، فمتى سنفهم أنّ كتابة النظريات وإثباتاتها أصبحت من الماضي؛ في ظلّ التّقنيات
الرّقميّة التي أصبحت تخطّط وترسم وتدير وتحسب وتنظّم... أفضل من أفضل إنسان!
وأخيرًا...
لا أكتب مقالي
من أجل المحاورة، أو المناظرة، فالشّمس لا يغطّيها الغربال!
ومن لم ير
بعد أنّ المَعرفة هي الثّورة الأغلى في العالم، وأنّها جرّت إليها علوم الكون، وأنّها
ساوت البشر تحت مظلّتها، وأنّها سنحت لهم بفرصة ذهبيّة؛ لارتياد مركب العلوم الذي
فاتهم قطاره فيما مضى من زمن، وأنّ عليهم النّهوض بالعقول نحو الابتكار، وأنّه لا
مجال للوقوف، أو التّفكير لاتّخاذ قرار، أو مخالفة التّيار؛ فالأمر جلل، و "قد
أعذر مَنْ أنذر".