18-تشرين الثاني-2021

نبه أبو غزالة قبل 30 سنة من الآن .. إلى إحتلالها

يمتاز رجل الإقتصاد والفكر والسياسة والبعد الأممي والشعور الوطني .. دكتور طلال أبوغزاله ، بواقعية شديدة لا تحتمل التأويل أو الزوغان عنها .. فهو يرى أن أميركا لم تهرب من أفغانستان ، ولن تضحي بعلاقتها مع ماكرون ، وفي آن ستسلح أستراليا نوويا.. !؟
( عبر بايدون مؤخراً بنفاق مصلحي ظاهر ، عن أنه لا يوجد مكان في العالم يمكن أن تختلف فيه أمريكا مع فرنسا ، وأنه لم يتم التعامل معها بلياقة كافية ، في إشارة إلى أنه يدخر جائزة ترضية لفرنسا )
لكن بايدون لم يترك لماكرون فرصة للذهاب بعيداً ( رغم أن فرنسا خسرت 40 مليار دولار بإلغاء صفقة الغواصات مع أستراليا )، باستبدالها بصفقة مع الولايات المتحدة الأمريكية محملا فرنسا مسؤولية الفشل ، بأنه يبدو أنها أي باريس لم تكن في صورة التعقيدات التي مرت بها الصفقة ، فرغم أن واشنطن مهتمة بعدم توغل فرنسا بالبعد عنها كثيراً ، لكنها أي وشنطن ، ترسم بإصرار معالم سياسة جديدة ، فقد أبعدت بريطانيا عن الإتحاد الأوروبي ، وشكلتا مع أستراليا محوراً موازيا ، لأي طموح إستقلالي أوروبي تقوده بون وباريس،  وفي آن يشكل تهديداً خطيراً مباشرا للمحور الصيني الروسي ، متنامي القوة في كل المجالات والإمتدادات الجغرافية .
ورغم أن فرنسا ومعها المانيا ليستا ذات مصلحة واحدة في المحور الأمريكي الجديد المناكف أيضا لأوروبا ، إلا أنهما ليستا معنيتان ، بتنامي قوة المحور الصيني الروسي ومعهما كوريا الديمقراطية وإيران ..
لذلك ليس مستبعداً،ان تطوع واشنطن باريس، وطي صفحة الخلاف، إذا كانت جائزة الترضية مناسبة ،كمنحها دورا في أفغانستان، فهو غير مكلف لواشطن، ويرضي باريس ، ويورطها في صراع مكلف، ويؤمن لواشنطن من يقاتل نيابة عنها،ويبعد باريس عن إحتمال تحسين علاقاتها مع الصين وروسيا على ضآلته ، إذا لم تُمنح جائزة الترضية السامة هذه ، التي ترضي غرور فرنسا الإستعماري ؛ الذي تحن إليه وتحاول استعادته، في سياق إستهلاك فرنسي داخلي .
يؤكد أبوغزاله كما دائماً،  أنه ليس بين الدول حب وكراهية،وإنما مصالح، وأن القرارات السياسية والعقوبات الإقتصادية، تتخذ على خلفية اقتصادية، وما يحكم العلاقات بين الدول هو المصالح (مبينا الفارق بين الخلافات السياسية في داخل الدول وبين الخلافات خارجها )

ويشدد  أبو غزالة على أن القرارات الأمريكية الاستراتيجية ( كمغادرة أفغانستان ) ،تتخذ بناء لما وراء وراء وراءها، فأمريكا ترى بحر الصين مركز صراع قادم، وتريد بتحركاتها ، جر بكين  والمنطقة لحرب تنتهي بمفاوضات لفرض نظام عالمي جديد، تحقق بنتيجته مصالحها.
لافتاً إلى أن عداء أمريكا للصين، يعود لعقود ، وهو محل إجماع أمريكي داخلي، ولا خلاف حوله ، وبوتين لا يختلف مع بكين في صراعها مع واشنطن بل ويسّره أن يكون عدو أمريكا الأول وليس بكين .
بذلك ؛ فإن خلاف الغواصات مع فرنسا ، خلاف مع الصين في أساسه ، فأمريكا تريد كسب أوستراليا إلى جانبها في صراعها العسكري المرتقب مع الصين ، ويهمها أن تكون مجهزة بأسلحة نووية مناسبة،دون مخالفةٍ للإتفاقيات الشكلية،وإن تكن كما يؤكد أبو غزالة في جوهرها كلها مخالفة، فقد تم تدميرالعراق لشبهة إمتلاكه أسلحة نووية ،هو لم يمتلكها ، فيما اسرائيل تمتلك مركزاً نوويا معلناً مثبتا على الخريطة ، واتفاقية الرقابة على الأسلحة النووية لا تخالف وجود غواصات محملة برؤوس نووية..
ومهما بلغ الخلاف حده بين واشنطن وباريس لن يصل حد تحالف باريس مع الصين؛ فخلافهما ( أمريكا وفرنسا ) كخلاف الزوجين ، يختلفا عند العشاء وفي اليوم التالي ، كأن شيئاً لم يكن.. وكان من الواضح منذ 3 أشهر أن أمريكا تعد لحلف جديد بمواجهة الصين ، عندما إجتمع بايدن مع حلفائه في بحر الشمال وبينهم أستراليا والفلبين.. فمصالح باريس وواشنطن ثابتة متبادلة أقوى من العواطف ، سواء في لبنان والعراق وسورية، وفي كل البلدان، وهو ما أكده بايدون بوضوح ، وهما  ( باريس وواشنطن ) متفقتان بمواجهة بكين وموسكو ، وجائزة ترضية أمريكية واحدة لباريس ستحل إشكال الخلافات الطاريء بينهما .
ويشكل خروج أمريكا من أفغانستان  مكملاً لعنصر المواجهة مع الصين ، ففي الحد الأدنى ، سيوفر أكلاف البقاء لصالح إستخدامها ضد الصين مثلاً .. فضلا عن أن الخروج يتيح لأمريكا الإستعداد للحرب مع الصين ، ويتيح نشوب حروب أهلية وانعدام السيطرة على حدود الصين و(إستثمار مسلمي الصين ) في الصراع الإقليمي بمواجهة مسلمي أفغانستان المتطرفين ، اللذين  يرجح  البقاء على تطرفهم ، أو قد يتحالف الطرفان مسلمو الصين وأفغانستان المتطرفة  ضد الصين ، ما يساعد على خلق بؤرة صراع بينهما .
ولفت أبو غزالة إلى أنه ليس صحيحاً أن طالبان استولت على اسلحة أمريكا ، فالأسلحة الامريكية في أفغانستان ، متخلفة بالقياس لما لدى واشنطن ، بل تركتها قصداً ، فنقلها مكلف ، وتركها لدى طالبان يتيح نشوب فتن وحروب أهليه ، وولادة صراع صيني أفغاني .
وشدد أبو غزالة على أن أمريكا لم تهزم ولم تنتصر في أفغانستان ، وإستمرار احتلالها  لمجرد وجود إرهابيين أفغان قبل 20 سنة ، ليس فعلاً منطقياً ، لكن القصد الحقيقي من إحتلالها منذ البدء هو الإستعداد للحرب على الصين ، مبيناً أنه تحدث عن ذلك قبل 30 سنة من الآن ، أي قبل إحتلال كابول .

ونوه بتداعي الأمريكان للفرح بنتيجة خروج قواتهم من افغانستان ، حيث سيستفيدوا من وفر المال لـ الضمان الإجتماعي وتوظيف العاطلين عن العمل ، مستذكرا مقولة للرئيس الأمريكي الأسبق ،كارتر بأن أمريكا دولة وليست بشراً يفكرون بعواطفهم وأحاسيسهم .
وبين أبو غزالة أن الحرب الأمريكية الصينية القادمة ليست كالحرب المعروفة ، هي حرب مصالح اقتصادية وإلكترونية وأمنية، ولكها موجودة الآن، وستنتهي عندما يحصل احتكاك.
ورأى أبو غزالة انه سيلي الحرب ؛ الإزدهار وإنتاج نظام عالمي جديد، وليس حربا تحتل به الصين ؛ أمريكا أو أمريكا ؛ الصين . فقوانين ومنظمات الحرب العالمية الثانية لم تعد صالحة والحاجة ملحة لـ نظام عالمي جديد .
وأوضح أن الحرب على سورية لم تنته ، بسبب خلاف على من سيقوم بالإعمار لأخذ المال، فبعد الحروب يأتي الإزدهار، بعد الحرب العالمية الأولى والثانية ، والآن بعد حرب ستكون سهلة لعدم وجود حدود مجاورة وعدم ( وجود أطماع في السيطرة) وغيرها