لقد تسببت جائحة كورونا في 2020 في تبني التقنية في العديد من القطاعات، من أجل الاستمرار في عملها في وقت كان ذلك يمثل امتحانًا لنا جميعًا. ويُنظر إلى التقنية على أنها أداة مفيدة للمساعدة في ضمان استمرار العمل، مع الحد من عدد الموظفين في المكاتب. فقد أدت الاستفادة من التقنية ومزايا العمل عن بُعد إلى اعتماد العديد من الشركات لها بوصفها استراتيجية دائمة للعمليات التجارية، مما يسمح للشركات بالاقتصاد في فواتير الطاقة، وللموظفين بتوفير وقت وكلفة التنقل، مما أجبر الكثيرين على اكتساب المهارات من أجل مواكبة العصر، الذي أصبحت فيه المهارات التقنية القوية مطلبًا للكثيرين للاستمرار في وظائفهم.
لقد استفادت العديد من الصناعات استفادة كبيرة من زيادة أتمتة العمليات، مثل العمليات التي تتم بدون عمالة بشرية في منشآت التصنيع والطاقة، التي استطاعت الكثير منها التشغيل والمراقبة عن بُعد، وهو ليس بالأمر السهل، لأن مثل هذه العمليات هامة ومعقدة للغاية. وجارٍ الآن إعادة هندسة العمل بحيث يُنجز عن بُعد، وذلك بفضل التطور الحاصل في أجهزة إنترنت الأشياء، وتوفيرها لحلول واقعية تتكامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي وتقنيات البلوك تشين، لتحسين العمليات التجارية.
لقد كان هناك الكثير من الزخم لاعتماد تقنيات أكبر، واستخدامها، وابتكارها، في مجالات مثل: الذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين، وغيرها؛ لتحقيق الكفاءة في العمليات التجارية، التي لم تكن ممكنة في السابق. فقد أجبرتنا الجائحة على أن نصبح قوى عاملة رقمية.
ولكن هذا الاعتماد الكبير على التقنيات الجديدة له تداعياته على أمن البيانات، وأصبحت هناك حاجة ملحة لتقديم تطمينات أكبر في جميع جوانب التطور التقني وسلاسل التشغيل. فلا يمكننا تحمل بقاء هذه التقنيات كالصناديق السوداء؛ لا يفهمها إلا القليل فقط، وذلك لأننا أصبحنا أكثر اعتمادًا عليها.
كما أن هذه الأنظمة بحاجة إلى أمن أفضل، خاصة مجموعات البيانات المستخدمة لتشغيل هذه الأنظمة، لإزالة التحيز منها، ولضمان دقة المخرجات والقرارات. ويجب أيضًا حمايتها بصورة أفضل، فالجهات الخبيثة أصبحت هجماتها أكثر تطورًا.
لقد ولى وقت الحلول الجامدة، إذ أصبحت الخطوط الفاصلة بين التقنيات غير واضحة، وبدأ التحول إلى نظم بيئية تقنية متكاملة لخدمة احتياجات الشركات والإنسان بصورة أفضل. والآن، وبعد أن مررنا بالكثير من التجارب والأخطاء أثناء الوباء، فإننا نفهم بصورة أفضل التقنيات التي تعمل جيدًا والتي هي بحاجة إلى تحسين. فهذا يؤثر على وتيرة التغيير واتجاهه، مما يؤدي إلى تحسين التكيف والتطور التقني.
إن البلوك تشين، بوصفه دفتر أستاذ موزعًا، قابل للتطبيق في العديد من المجالات، مع الحاجة إلى وجود بيانات جيدة وصحيحة. ومن العناصر الأساسية بالنسبة لنا أن نكون قادرين على السيطرة على بياناتنا، وتوفير الوصول إليها على أساس الحاجة إلى المعرفة، وأن يكون لدينا عمال معرفة يفهمون هذه التقنيات، وكيفية تدقيقها، وكيفية تحسينها.
إن ما يحدث حاليًا هو اندماج معظم التقنيات التي تحتوي على عنصر من عناصر الذكاء الاصطناعي. وجارٍ حاليًا إضفاء الطابع الديمقراطي على التقنيات الرقمية، وتحطيم الأنظمة والعمليات المعزولة، والنظر إلى المخاوف بشكل جماعي، فمستقبلها يكمن في اتباع نهج متكامل للاستفادة منها جماعيًا على أفضل وجه للشركات والأفراد. والمضي قدمًا في هذا السبيل سيوفر أفكارًا ونماذج جديدة لم نفكر فيها بعد، وسوف نرى بالتأكيد طرقًا جديدة لممارسة الأعمال التجارية.
ولكن هذا يتطلب بعد نظر، وحوكمة مناسبة، وبيئة تعزز التعلم والابتكار، لأنه يتعين علينا بناء جيل جديد من العاملين في مجال المعرفة، لديهم مجموعة مهارات رقمية، وكذلك مستوى أكبر بكثير من المعرفة التقنية، حتى نتمكن من الاستفادة منها، والمساهمة في هذا المجال المتنامي.
هذا يؤدي بنا إلى مسألة كنت مهتماً بها لسنوات عديدة، ألا وهي إصلاح نظامنا التعليمي لتخريج متخصصين في التقنية، يسخرونها بطريقة خبيرة وأخلاقية. كما يجب أن نبتعد عن أساليب التعليم والتعلم التقليدية التي أدت بنا إلى التراجع، وتأسيس أنظمة تعليمية حديثة بحق، تساعد الطلبة في اكتشاف متاهة الإنترنت ومواردها.
كما لا بد أن نركز على إعداد متخصصين تقنيين من أجل البقاء، وهي الطريقة الوحيدة التي يمكننا عبرها إحياء نهضة هذه المنطقة، التي ساهم كبار علمائها في العديد من العلوم في الماضي، وتركوا بصمتهم في ثنايا التاريخ.
طلال أبو غزاله