05-حزيران-2024

كيف يسهم التحول الرقمي بتحقيق التنمية المستدامة؟

في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة عملها لتنفيذ إستراتيجية التحول الرقمي في المملكة وتعميمها لتشمل كل المؤسسات والقطاعات، أكد خبراء أهمية التسريع في إنجاز المهمة التي تعد دعامة وأداة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة مع تأثيراتها الإيجابية في ثلاثة جوانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. 

وقال الخبراء إن علاقة وطيدة تربط بين التحول الرقمي والتنمية المستدامة، مع ما تقدمه تقنيات الرقمنة من أدوات ترفع كفاءات الأعمال، وتوفر الوقت والجهد، وتوفر أدوات عادلة بين جميع فئات المجتمع للحصول على الخدمات فضلا عن تقليل التلوث والآثار الإيجابية البيئية التي يمكن أن تتمخض عن الأعمال الرقمية في بلد يقدر فيه عدد مستخدمي الإنترنت بأكثر من 10.3 مليون مستخدم. 

ودعا الخبراء إلى تعميم فكرة التحول الرقمي والتسريع فيها في الأردن للمساهمة في عملية التنمية المستدامة التي يمكن أن تحقق آثارا إيجابية لكل فئات المجتمع مع الانتشار الكبير لخدمات الاتصالات والإنترنت والهواتف الذكية وتطبيقاتها التي دخلت بيوتا أكثر من %95  من الأسر الأردنية. 

ويعرف التحول الرقمي بأنه عملية دمج وتبني التقنيات الرقمية في جميع مجالات العمل، ما يغير بشكل أساسي كيفية عمل القطاعات بمختلف مجالاتها وكيفية تقديمها للقيمة المضافة وآلية تقديم الخدمة للعملاء، وطالبي الخدمة، وينطوي التحول الرقمي في بعض الأحيان على تغيير في رؤية القيادة وطريقة التفكير وتشجيع الابتكار وطرح نماذج الأعمال الجديدة، بما في ذلك رقمنة الأصول وزيادة توظيف التكنولوجيا لتحسين تجربة متلقي وطالبي الخدمة وأصحاب المصلحة.  

وفي المقابل تعرف التنمية المستدامة على أنها العملية التي تمكن من إشباع حاجيات الأجيال الحالية وتحقيق رفاهيتهم (بما في ذلك ذوو الدخل المحدود والفقراء) دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على إشباع حاجياتهم، آخذة بعين الاعتبار تحديات الحفاظ على الأنظمة البيئية ومحدودية الموارد الطبيعية القابلة للتجدد.

وببساطة تسعى التنمية المستدامة إلى التوفيق بين الأبعاد الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. 

وقال ممثل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في غرفة تجارة الأردن المهندس هيثم الرواجبة إن السنوات الأخيرة شهدت تحولاً جذرياً نحو الرقمنة والتحول الرقمي في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية في المملكة الامر الذي يسهم في تحسين الكفاءة والإنتاجية وتقديم خدمات أفضل، ما يعزز من فرص التنمية المستدامة.

وأكد أن هناك علاقة وثيقة بين التحول الرقمي والتنمية المستدامة، لأن التحول الرقمي يساعد في الوصول إلى المعلومات والخدمات بشكل أكثر فعالية وكفاءة، وبالتبعية المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. 

وبين الرواجبة أن علاقة الرقمنة بالتنمية المستدامة تتلخص في عدة محاور منها: تحسين إدارة الموارد بكفاءة حيث يمكن استخدام التكنولوجيا لتحسين إدارة الموارد الطبيعية وتقليل الفاقد في مختلف القطاعات مثل الصناعة والزراعة والخدمات.

وضرب مثلا كيف يمكن أن نستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة المياه والزراعة الذكية.

وقال إن التحول الرقمي يسهم أيضا في وصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية والخدمات الأساسية الأخرى من خلال التعليم الإلكتروني والرعاية الصحية عن بعد، فضلا عن مساهمته في تعزيز الابتكار حيث يدعم التحول الرقمي الابتكار في مجالات متعددة مثل الطاقة المتجددة والإنتاج المستدام، مما يساعد في تحقيق التنمية المستدامة.

وأكد الرواجبة أن التحول الرقمي يسهم بشكل كبير في تقليل الانبعاثات الكربونية من خلال تحسين كفاءة الطاقة والتحكم في الانبعاثات الصناعية، حيث يمكن استخدام تقنيات مثل إنترنت الأشياء لتحسين مراقبة الانبعاثات وتقليلها.

وبين أهمية التحول الرقمي في تطوير البنية التحتية الذكية مثل المدن الذكية والنقل الذكي، الأمر الذي من شأنه أن يحسن من كفاءة استخدام الموارد ويقلل من التلوث. 

وأشار إلى أن التحول الرقمي يساعد في تعزيز الشفافية والمساءلة في الحكومات والمؤسسات.

وعن أبرز التقنيات التي تساهم في التنمية المستدامة، بين الرواجبة أن ابرزها تقنية الذكاء الاصطناعي التي تشهد تطورات متسارعة في الوقت الراهن مع دخولها في خدمة كل القطاعات، لافتا إلى أن هذه التقنية تسهم في  تحسين كفاءة العمليات وتحليل البيانات الكبيرة لتحقيق أفضل استخدام للموارد وتقليل الهدر.

وقال إن من التقنيات الأخرى المهمة هي تقنية إنترنت الأشياء التي تعمل على جمع وتحليل البيانات من البيئة المحيطة، ما يساعد في تحسين إدارة الموارد والطاقة، وتقنية البلوك تشين التي يمكن استخدامها لتحسين الشفافية والمساءلة في سلاسل الإمداد وإدارة الموارد. 

واشار إلى أهمية تقنية الحوسبة السحابية التي تساعد في توفير البنية التحتية الرقمية بكفاءة عالية وتقلل من الحاجة إلى الأجهزة المادية التي تستهلك الطاقة. 

وقال الرئيس التنفيذي السابق لهيئة تنظيم قطاع الاتصالات الدكتور غازي الجبور إن عملية التحول الرقمي هي ضرورة في عالمنا اليوم وهي خطوة مهمة وإستراتيجية في مستقبل أي بلد كونه ذا فوائد عظيمة لتحسين الكفاءة التشغيلية في الشركات والمؤسسات وتحسين الجودة وتبسيط الإجراءات للخدمات المقدمة للمستفيدين وتوفير الكلف. 

وأكد الجبور بأن عملية التحول الرقمي هي " نهج حياة" وطريقة عمل أكثر منها تحويل لخدمات من الطرق التقليدية إلى الرقمية، مشيرا إلى أننا في الأردن لم نصل بعد إلى مرحلة التحول الرقمي الحقيقي، حيث ما يزال المواطن يعاني في الحصول على خدمات رقمية مكتملة من الألف إلى الياء بما في ذلك الدفع الإلكتروني. 

وأشار إلى أن التحول الرقمي هو مسؤولية على الجميع وليس على جهة واحدة فقط، وهي  بحاجة إلى قاعدة بيانات وطنية تشترك فيها كل المؤسسات لتنفيذ كل الخدمات وإلى بناء ثقافة رقمية وتدريب الشباب وتأهيلهم لدخول عالم الثورة الصناعية الرابعة وتعميم للفكر الرقمي والفوائد التي يمكن أن نجنيها من عمليات التحول الرقمي.

وأكد ان التحول الرقمي يدعم الابداع والإبتكار، ويساعد المؤسسات والشركات على التوسع والانتشار في نطاق أوسع وإنجاز المعاملات التجارية والصناعية والمالية بشكل أسرع وبجودة عالية، وقال إنه للوصول إلى التحول الرقمي يجب العمل على تطويع كل التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية واستخدام البيانات الضخمة في الاستشراق وتمحيص القرارات وتبني خطط معتمدة على البيانات والتحليل والوصول إلى مرحلة القرارات المبنية على نماذج رياضية. 

ولفت إلى أنه رغم ما تحتاجه عملية التحول الرقمي من كلف مادية إلا أن نتائجها على التنمية المستدامة هي مهمة ؛ كزيادة الكفاءة الحكومية وتحسين الخدمات في جميع القطاعات كما أن لها أثر في نظافة البيئة وتقليل الكلف على المواطنين وزيادة رضاهم وزيادة المقدرة الوطنية في الإنتاج المعرفي وتعزيز الاقتصاد المعرفي، وهو ما لمسناها في تجربة جائحة الكورونا عندما اعتمدنا على الإنترنت والرقمنة في تواصلنا وتسيير الأعمال.

وكانت الحكومة أعلنت مؤخرا  أن عدد الخدمات الحكومية التي تم رقمنتها بلغ 1173 خدمة وبنسبة 49 بالمائة من إجمالي الخدمات وسيتم إطلاق عدد كبير نهاية العام الحالي، حيت يتوقع الانتهاء من إطلاق الخدمات الأساسية والانتقال إلى تحسين وتطوير تجربة العملاء ومنصات الخدمة وذلك وفقا للبرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي ضمن محور الخدمات الحكومية والرقمنة.

ووفقا لأرقام الحكومة بلغ  عدد الخدمات المفعلة على تطبيق سند 500 خدمة، وبلغ عدد المفعلين للهوية الرقمية عبر تطبيق سند نحو مليون هوية رقمية، مع توقعات إلى أن يصل الى 3,5 ملايين بنهاية عام 2025.

 ويرى الخبير في مجال التقنية والاتصالات وصفي الصفدي أن عملية التحول الرقمي هي العملية الأوسع لاستخدام التقنيات الرقمية لإحداث تغيير جذري في كيفية عمل الشركة أو المؤسسة أو الحكومات من حيث تقديم الخدمات. 

وقال الصفدي: "في التحول الرقمي لا يقتصر الأمر على مجرد تحويل البيانات، بل يتضمن استخدام الأدوات الرقمية لتحسين الكفاءة، وخلق فرص جديدة، وحل المشكلات وتحسين تجربة العميل وخفض الكلفة".

وأكد على أهمية التحول الرقمي في دعم التنمية المستدامة من خلال زيادة الكفاءة حيث يمكن أن تساعد تحليلات البيانات والمراقبة الرقمية على تحسين استخدام الموارد (مثل الطاقة والمياه والمواد الخام) في المصانع والممارسات الزراعية وغيرها.

وقال الصفدي إن التحول الرقمي يسهم في تقليل النفايات حيث إن للأدوات الرقمية مثل الشبكات الذكية وأنظمة إدارة الخدمات اللوجستية دور في تقليل هدر الطاقة وتبسيط سلاسل التوريد، مما يقلل من استهلاك الموارد وتحسين استخدامها بكفاءة عالية مما يخدم أهداف الاستدامة.

وأكد أهمية التحول الرقمي في المراقبة البيئية حيث يمكن لشبكات الاستشعار وصور الأقمار الصناعية تتبع التغيرات البيئية مثل إزالة الغابات أو مستويات التلوث، مما يتيح اتخاذ تدابير استباقية، وأيضا يمكن الاستفادة منها في حالات الطوارئ لإطلاق تحذيرات والمساهمة في التنبؤ بحدوث أي زلزال أو براكين وغيرها من الكوارث التي يمكن أن تحدث. 

وقال إن للتحول الرقمي دور في دعم الابتكار والتعاون حيث تسمح المنصات الرقمية بالتعاون في مشاريع الاستدامة وتطوير تقنيات مستدامة جديدة، فضلا عن دورها في تعزيز الشفافية والوعي عندما تطوع الأدوات الرقمية لرفع مستوى الوعي العام حول تحديات الاستدامة وتتبع التقدم نحو تحقيق الأهداف.