11-تموز-2024

حرب الرواية: كيف تسوغ إسرائيل جرائمها باستخدام التعابير المزيفة التي نكررها بحسن نية

حرب الرواية: كيف تسوغ إسرائيل جرائمها باستخدام التعابير المزيفة التي نكررها بحسن نية

حسان الهامي 

في ساحة الصراع بين الحق الفلسطيني والكيان الباطل لا تقتصر المواجهات على الأرض، بل تمتد إلى ميدان آخر لا يقل خطورة وأهمية، وهو ميدان الرواية والسيطرة على السرد التاريخي والإعلامي.

وحرب الرواية هي حرب الكلمات والتعابير، وهي جزء أساسي من الصراع الأوسع، حيث يستخدم الكيان الغاصب اللغة كأداة لتشكيل الإدراك العام وتوجيه الرأي الدولي وتسويغ جرائمها وانتهاكاتها بحق الفلسطينيين.

وتعتمد هذه الاستراتيجيات على التلاعب بالمعلومات وتكرار التعابير المزيفة حتى تصبح مقبولة كحقيقة، وبمرور الوقت، يبدأ الناس في استخدام هذه التعابير بحسن نية، غير مدركين الزيف الكامن فيها.

وأحد أبرز الأمثلة على ذلك هو استخدام مصطلحات مثل "الدفاع عن النفس" و"الإرهاب الفلسطيني"، و"جيش الدفاع"، بل وتقدم عملياتها العسكرية الوحشية العنصرية على أنها إجراءات دفاعية ضد تهديدات إرهابية، متجاهلة حقيقة الاحتلال والقمع المستمرين منذ 75 عام، والأدهى أن صدى هذه المصطلحات يتردد في وسائل الإعلام الدولية، بما يجعلها تبدو وكأنها توصيفات محايدة وموضوعية.

والخطورة في التكرار المستمر لهذه التعابير خلق ما يعرف بتأثير الحقيقة الوهمية، بمعنى عندما يسمع الناس شيئًا ما مرارًا وتكرارًا، حتى وإن كان خاطئًا، فإنهم يميلون إلى قبوله كحقيقة، هكذا، يتم تحويل الرواية المزيفة إلى جزء من الوعي الجمعي، ويصبح من الصعب على الحقائق الفعلية أن تتغلغل في هذا الوعي.

وقد يتجلى هذا الأسلوب بشكل واضح في كيفية تصوير الإعلام الغربي للأحداث في الأراضي المحتلة، حيث تُستخدم عبارات مثل "الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني" بدلاً من "الاحتلال الإسرائيلي"، مما يضفي طابعًا من التساوي بين الطرفين ويغفل حقيقة عدم التوازن في القوة. يتم تكرار هذه التعابير المزيفة في الأخبار والتقارير والتحليلات، مما يعزز رواية الكيان ويضعف الموقف الفلسطيني على الساحة الدولية.

وبالفعل فإن حرب الرواية ليست مجرد مسألة لغوية، بل هي جزء من استراتيجية شاملة لتبرير سياسات الكيان وإضعاف الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، حيث يقوم الكيان الغاصب ببناء سرديات مضللة تتجاهل أس الصراع وتعيد تشكيل الحقائق بما يتناسب مع مصالحها، بحث يمهد هذا التلاعب اللفظي الطريق لتبرير الانتهاكات والجرائم، بل ويخلق إطارًا يسمح للمجتمع الدولي بغض النظر عن المعاناة المستمرة للفلسطينيين.

وربما يكون احد الاستكشافات العميقة لديناميكيات القوة الكامنة في اللغة ونشر الأفكار يظهر في العمل الأساسي للباحث الفلسطيني إدوارد سعيد، وهو بعنوان "الاستشراق"، حيث يفكك فيه بشكل دقيق تصوير الغرب لـ"الشرق" وشعوبه.

ويرى أن القوى الغربية مارست هيمنة لغوية تاريخيًا، مشكِّلة الإدراكات والروايات حول الشرق لتبرير هيمنتها وسيطرتها، هذا التلاعب اللفظي، يصل إلى حد الاستغلال والإساءة لأولئك الموصوفين بـ"الضعفاء" أو "الشرقيين".

يستعرض "الاستشراق" كيفية استخدام اللغة كأداة للقوة. القوى العظمى، من خلال إنتاجاتها الثقافية والفكرية، أسست رواية تصور الشرق بطريقة تخدم مصالحها. هذه الرواية، عند تكرارها بما فيه الكفاية، تُقبل كحقيقة، سواء من قبل الذين داخل القوى العظمى أو من قبل الذين في الشرق.